أسرار التعميم 154: ما بين القانون والالتفاف على المحاسبة

أسرار التعميم 154: ما بين القانون والالتفاف على المحاسبة -- Apr 09 , 2025 21

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وتراجع الثقة بالقطاع المصرفي، لجأ مصرف لبنان إلى إصدار عدد من التعاميم لإدارة الانهيار المتسارع، كان أبرزها التعميم 154 الذي وُضِع تحت المجهر بسبب غموضه وافتقاره للآليات الإلزامية الفعّالة، لما انطوى عليه من محاولات لإعادة رسملة المصارف بوسائل غير مباشرة.

في العام 2020 أصدر الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، الذي يخضع حالياً إلى محاكمات في لبنان والخارج بتهم مالية وغير مالية عديدة، نتيجة قضايا تتعلق بالاختلاس والإثراء غير المشروع وتبييض أموال وتربّح وتهرّب ضريبي وسوء استخدام السلطة وفساد، التعميم رقم 154، في محاولة منه لإعادة تعويم - ولو بشكل موقت - المصارف اللبنانية التي عانت من تحدّيات في تأمين السيولة مع الإنهيار المالي والمصرفي وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وتهريب الرساميل إلى الخارج.

يشرح المحامي والأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف (USJ) كريم ضاهر، في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ التعميم 154 «صدر في آب 2020، يومذاك كنّا في أزمة تزامناً مع غياب تام للسلطات اللبنانية بكافة تلاوينها من تشريعية إلى تنفيذية وقضائية عن حماية الودائع، تاركين الأمور لاستنسابية المصارف التي تطبّق إرشادات جمعيّتهم بالتنسيق مع الحاكم السابق للمصرف المركزي، بأنّه لا يمكن للمصارف التحويل إلى الخارج أو السماح بالسحب من دون سقوف، بل عليها وضع ضوابط، كانت حينها غير نظامية وغير شرعية. كما أنّ جمعية المصارف تحدّثت لأول مرّة عن وجود مشاكل بتاريخ 17-11-2019، لكن ليس لديها أي صفة تقريرية». ويضيف ضاهر: «وفي شهر نيسان من سنة 2020، أي بعد 6 اشهر من اندلاع الأزمة، صدرت القرارات 150 و151 عن مصرف لبنان، التي وضعت لأول مرّة بصورة رسمية وعلنية قيوداً على السحوبات والتحاويل، إثر إسقاط خطة رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب من قِبل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية وتوقف الحكومة عن سداد الـ»يوروبوندز» بصورة غير منظمة، فباتت الدولة اللبنانية غير قادرة على الاقتراض من الخارج، فتهاوى سعر صرف الليرة واستفحلت الأزمة المالية. فكانت المحاولة لإعادة تعويم المصارف ضمن الإمكانيات المتاحة وتسيير أمور الناس ورفع سقف السحوبات من الودائع».

 

وكان التعميم 154 حدّد، بشكل غير واضح، ضرورة إعادة نسب من الأموال المحوّلة إلى الخارج من تاريخ 1-7-2017 إلى وقت صدور التعميم. وهنا يوضح ضاهر، عضو الهيئة الإدارية وأحد المؤسسين في الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين (ALDIC): «لماذا هذا التاريخ تحديداً؟ الظاهر أنّه كان يصادف موعد الانتهاء من عمليات الهندسات المالية. بمعنى آخر، يمكن الإستنتاج والتحليل، من دون التأكيد أو الجزم، أنّه لربما صدر التعميم بهذا الشكل والتاريخ، لألّا يتأثر أحد من الذين استفادوا من هذه الهندسات وحوّلوا هذه الأموال إلى الخارج» (أي كبار المتموّلين والنافذين).

ويشرح ضاهر طلب الحاكم السابق «حث» العملاء على إعادة جزء من الأموال المحوّلة بأنّه «كان نتيجة عدم جواز إلزام حاكم المصرف للعملاء بإعادة الأموال، لأنّ هذه الصلاحية التشريعية يبتّ فيها المجلس النيابي، وحتى أنّ هناك صعوبات لدى السلطة التشريعية على مناقضة الدستور، الذي يحمي المبادرة الفردية والاقتصاد الحرّ والملكية الخاصة، على إرغام العملاء بإعادة أموالهم لأنّها تخالف النص الدستوري بهكذا قانون. وحتى اليوم، وباستثناء تعاميم مصرف لبنان المبهمة، لا يوجد أي قانون «كابيتال كونترول» يمنع رسمياً من تحويل الأموال إلى الخارج». لكنّ التعميم كان محاولة لإلزام مَن حوّلوا أموالهم إلى الخارج لإعادتها، وقد تعزز ذلك بصورة غير مباشرة من خلال «التعميم 158 الذي تلا التعميم 154، واشترط على مَن يُريد الاستفادة من إجراء سحوبات من حسابه بالعملة الأجنبية وبقيمتها الفعلية بقيمة 400$ أو 300$ ومن ثم أصبحت 500$ ألّا يكون مخالفاً لتطبيق التعميم 154 (أي إعادة نسبة 15% من أمواله المحوّلة إلى الخارج). وهنا التزمت المصارف بتطبيق التعميم 158»، بحسب ضاهر.

 

ويؤكّد الرئيس السابق للجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين، أنّ التعميم 154، كما ومعظم التعاميم الأخرى الصادرة خلال تلك الفترة بدءاً بالتعميم رقم 151، غير قانوني، وقد طُعِنَ ببعضها من قِبل نقابة المحامين، ولاسيما بقرار مصرف لبنان رقم 359 (الصادر في 20-1-2023 الذي كان يسمح للمصارف بإعادة الرسملة وإعادة تقييم أصولها)، والقرار 22 الذي صدر عن مجلس الوزراء (الصادر في 22-4-2023، الذي يُميِّز بين ودائع قديمة ووادئع جديدة) أمام مجلس شورى الدولة.

وكان يعوّل نوعاً ما على التعميم 154 لإلزام كبار المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة في المصارف، كما وعملاء المصارف من المعرّضين سياسياً (PEP)، على إعادة نسب من رساميلهم المحوّلة إلى الخارج، لكنّه بحسب ضاهر «لم يكن ينص على تدابير رادعة وإجراءات. إذ كان يلتمس، أي يتمنّى عليهم، إعادة نسبة 30%، لكنّه لم يفرض عليهم بفضل عبارات قانونية ليّنت النص لعدم إلزامهم، ناهيك عن التعميم 568 الذي أتاح لعملاء المصارف تسديد دفعات وأقساط القروض المترتبة عليهم بقيمتها في الليرة اللبنانية (1507,5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد) وذلك على رغم من تدهور سعر الصرف وعدم تناسبه مع القيمة الفعلية، ممّا أهدر أموال المودعين نتيجة إعادة تسديد القروض التي أعطتها المصارف بهذا الشكل». كما أنّ التعميم 154 نصّ على الطلب من كل مصرف، بمهلة تنتهي في 28-2-2021، على تكوين حساب خارجي حر من أي إلتزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقلّ، في أي وقت، عن نسبة 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديها في 31/7/2020 (أي الـFresh) من دون أن يستعملها.

 

ويرى ضاهر أنّ «الحاكم الجديد لا يحتاج إلى الاعتماد على القرار 154 اليوم، بعد تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات والاتجاه إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتحضير مشروع لإعادة هيكلة المصارف. لكن من الممكن محاسبة المصارف التي لم تلتزم طوال هذه السنوات بالنسبة إلى الأمور الملزمة، لأنّ قرارات المصرف المركزي ملزمة للمصارف، بالتالي يمكن للمصرف المركزي تطبيق المادة 208 من قانون النقد والتسليف التي تبدأ بالتنبيه وتنتهي بالشطب مروراً بتعيين مدير موقت للمصرف كما حدث لـCredit National Bank وFederal Bank وغيرهما».

لذلك، يؤكّد ضاهر «أنّ القرار يمكن أن يعطي فكرة عن مدى التزام ووضع المصارف خلال الحقبة الماضية، في سياق التقويم والدرس لإعادة الهيكلة الموعودة، بالموازاة مع الشفافية المطلوبة والمساءلة. علماً أنّ المصارف حسّنت أوضاعها منذ ذلك الحين، لأنّ البعض أعاد أموالاً وربما التزم بهذه النسب، بفضل بيع أصول في الخارج أو حتى العمولات التي أخذتها على الودائع والخدمات المتفرّقة».


شربل البيسري - الجمهورية

أقرأ أيضاَ

عن قانون رفع الأجور.. هذا ما كشفه وزير العمل!

أقرأ أيضاَ

مشكلة تنتظر المودعين