"القابضة" الإماراتية تخطط لخطوتها التالية بعد مضاعفة أصولها في 4 سنوات -- May 02 , 2025 7
المصدر:
بلومبرغ
تمكن صندوق الثروة السيادي شركة "القابضة" (ADQ) من مضاعفة أصوله خلال أربع سنوات فقط، في جهود أثمرت عن محفظة استثمارية متنوعة تشمل كل شيء من حصة في دار المزادات العالمية "سوذبيز" إلى شركة الطيران الوطنية لأبوظبي. ويعمل الفريق التنفيذي في الشركة من مقرها داخل إحدى ناطحات السحاب بقلب العاصمة أبوظبي على استثمار هذا الزخم.
على مدار فترة شملت جائحة عالمية، ودورتي انتخابات رئاسيتين في الولايات المتحدة، وطفرة الاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي، برزت "القابضة"، التي تبلغ قيمة أصولها 251 مليار دولار، كأحد أسرع صناديق الثروة السيادية نمواً في العالم. اليوم، وفي خضم حرب تجارية دفعت بعض المستثمرين إلى البحث عن فرص وسط اضطرابات السوق، يدعو الرئيس التنفيذي لـ"القابضة"، محمد حسن السويدي، إلى التحلي بالصبر.
قال السويدي، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الاستثمار في دولة الإمارات، في مقابلة نادرة بأبوظبي: "لن نندفع بكل قوتنا"، مضيفاً: "نراقب، ونتتبع، ونأخذ وقتنا. نحن مستثمرون نمنح أنفسنا الوقت لفهم طبيعة الأعمال، لكننا نتحرك بسرعة حين تحين الفرصة".
يمثّل هذا التصريح تحولاً ملحوظاً مقارنة بأربع سنوات مضت، حين قال الرئيس التنفيذي إن الصندوق، الذي تأسس عام 2018، "لم يكن يخطو بالسرعة الكافية". آنذاك، كانت "القابضة" تبني منصات جديدة بوتيرة متسارعة انطلاقاً من الأصول الحكومية التي تسلمتها في قطاعات تشمل الخدمات اللوجستية والطاقة والأغذية.
خلال الأسابيع الأخيرة، عقد الصندوق شراكة بقيمة 25 مليار دولار للاستثمار في توليد الطاقة لمراكز البيانات ومشاريع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بما يتماشى مع جهود الرئيس دونالد ترمب لجذب رؤوس الأموال، ويعزز في الوقت نفسه مساعي الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يقود الصندوق مبادرة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار في مصر، ويُعد من المستثمرين النشطين في تركيا.
أهمية "القابضة" لاستثمارات الإمارات
تعكس هذه الصفقات أهمية "القابضة" لدولة الإمارات، رغم أنها ما زالت أصغر حجماً مقارنة بصناديق الثروة الأخرى في الإمارة، مثل "جهاز أبوظبي للاستثمار"، و"مبادلة للاستثمار" إلى حد ما.
نمت محفظة "القابضة" بشكل متزايد نحو الطابع العالمي في السنوات الأخيرة، لتشمل حصصاً في شركات مثل "لويس درايفوس" المتخصصة في تجارة المنتجات الزراعية. أما محلياً، فهي تملك واحدة من أكبر شبكات الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، وتدير مشغلاً للموانئ، بالإضافة إلى "الاتحاد للطيران" التي تستعد لطرح عام أولي سيُسهم في توسيع حجم السوق المالية المحلية التي تديرها "القابضة" أيضاً.
قال السويدي: "نتبع في أعمالنا منهجية معينة، شركة تلو الأخرى، واستقطبنا فرق الإدارة المناسبة، وطبقنا أنظمة الأداء الفعالة، ووضعنا استراتيجيات تركز على الأولويات". أضاف أن الكيانات التابعة للشركة باتت اليوم تمتلك الأدوات والدعم المالي اللازم للتوسع خارجياً بشكل مستقل.
باتت شركات "وول ستريت" تسعى بشكل متزايد للتعاون مع "القابضة"، سواء لتقديم الاستشارات أو لتمويل صفقاتها. تقدّر شركة الأبحاث "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF) أن الصندوق أنفق 11 مليار دولار العام الماضي، إلا أن السويدي رفض هذا الرقم، موضحاً أنه لا توجد وتيرة ثابتة لاستثمار المليارات.
مهمة "القابضة"
تابع السويدي: "نستثمر بحسب ما تسمح به السوق، وحسب الفرص المناسبة"، مضيفاً أن مهمة "القابضة" تتمثل في سد الفجوات، أو ما يُعرف بـ"المجالات غير المستغلة"، في اقتصاد أبوظبي، موضحاً أن الصندوق، خلافاً لصناديق الثروة التقليدية، لا يستثمر في الأسواق العامة أو أدوات الدخل الثابت.
بدلاً من ذلك، تعمل الشركة وفق نمط صناديق الملكية الخاصة، عبر الاستحواذ على حصص كبيرة ومسيطرة في شركات مختارة ضمن قطاعات محددة، مع هدف توسيع أنشطة تلك الشركات، وإدراج أسهم العديد منها محلياً.
قال السويدي: "إذا كنت تريد بيع شركة بنسبة 100%، أو حتى 51% فما فوق، فنحن المشتري"، لافتاً: "لا يوجد طرف آخر في السوق يقول: أريد شراء حصة بنسبة 51%".
تركز الشركة حالياً على البنية التحتية الحيوية وسلاسل الإمداد، وتستكشف فرصاً استثمارية في قطاعات اللوجستيات والصناعات الدوائية والأمن الغذائي. ورغم أنها لا تستثمر في التكنولوجيا بشكل مباشر، فإن "القابضة" تدعم طموحات أبوظبي في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال الاستفادة من القدرات والخبرات التقنية، مثل الاتفاق الأخير مع شركة "إنرجي كابيتال بارتنرز" (Energy Capital Partners).
أضاف: "إذا ظهرت فرصة لتوفير طاقة لمراكز البيانات أو لشبكة الكهرباء، فمع شريك مثل إنرجي كابيتال بارتنرز، ستكون فرصة ممتازة". وأضاف: "سنواصل التوسع في قطاعي المرافق والطاقة بلا شك".
جاءت الصفقة بعد فترة وجيزة من استقبال الرئيس دونالد ترمب للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني في الإمارات وشقيق رئيس الدولة، والذي يشرف على عدد كبير من الكيانات من بينها "القابضة"، و"جهاز أبوظبي للاستثمار"، وشركة الذكاء الاصطناعي "G42"، وشركة الاستثمار التكنولوجي "MGX".
تحويل أبوظبي إلى قوة استثمارية عالمية
يملك العديد من هذه الكيانات القدرة على ضخ مليارات الدولارات، ما حوّل أبوظبي إلى قوة مؤثرة في صفقات الاستثمار العالمية. مع ذلك، فإن شهية الإمارة لعقد صفقات ضخمة واجهت في بعض الأحيان عراقيل.
فقد سبق أن كان بنك "أبوظبي الأول"، الذي تملك "مبادلة" حصة فيه، يدرس تقديم عرض للاستحواذ على "ستاندرد تشارترد"، إلا أن الصفقة لم تتم. كما حاولت "القابضة" دخول الساحة المالية العالمية بمحاولة جريئة للاستحواذ على بنك الاستثمار "لازارد"، لكن الصفقة تعثرت في النهاية. ولم تُكلّل محاولات الصندوق أيضاً بالنجاح في عروضه لشراء وحدة "دي بي شينكر" (DB Schenker) التابعة لـ"دويتشه بان" (Deutsche Bahn AG)، أو وحدة الأغذية القابلة للدهن التابعة لشركة "كيه كيه آر" (KKR).
أشار السويدي إلى أن الصندوق يبحث عن أهداف استثمارية "قادرة على الصمود في جميع الظروف خلال المئة عام المقبلة"، بدلاً من الدخول في مزايدات مع أطراف تسعى لتحقيق أرباح سريعة في دورات السوق الصاعدة.
"الجميع محللون"
في مقابلة مطوّلة، تناول الرئيس التنفيذي البيئة الاستثمارية بين صناديق الثروة في أبوظبي، والتي يبدو أنها تقوم على التعاون مع قدر من التنافسية.
قال: "إذا رأينا فرصة لا تناسبنا، نشاركها مع زملائنا في الصناديق الأخرى". وأضاف: "إذا رأت الإمارات فرصة لتحقيق العائد بطريقة مختلفة، فسنمضي فيها. وبالنسبة لنا، فالمنافسة صحية".
تربط "القابضة" علاقات وثيقة بصناديق أقدم مثل "مبادلة"، إذ إن العديد من الموظفين، بمن فيهم السويدي نفسه، انضموا من هناك، لكن الرئيس التنفيذي أسس منذ ذلك الحين ثقافة مؤسسية تعكس أسلوبه الشخصي؛ إذ يشارك بنفسه في كتابة النشرات الداخلية والعروض التقديمية، قائلاً إنه لا يريد الاعتماد على "كتيبة من الموظفين".
يعمل لدى "القابضة" موظفون لا يتجاوز عددهم 250 شخصاً، ما يجعلها ضمن أقل المؤسسات من نوعها في عدد العاملين بها. وعادةً ما تعمل بها كوادر تنفيذية مالية ذات خبرة عالية، ما يجعل فرق العمل قادرة على تقييم الفرص الاستثمارية بعمق، الأمر الذي دفع السويدي للقول: "الجميع بطبيعتهم يمتلكون عقلية تحليلية".
صفقات جيوسياسية
عنصر آخر يُميز "القابضة" عن غيرها هو دورها المتزايد في الصفقات ذات الطابع الجيوسياسي.
لفتت صفقة عام 2024 في مصر الأنظار بشكل خاص، حيث وُصفت بأنها أكبر استثمار أجنبي في تاريخ البلاد، ويُرجَّح أنها أنقذت اقتصاداً كان يمر بأزمة خانقة. أما من منظور دولة الإمارات، فقد اعتُبرت هذه الخطوة مثالاً على التوجّه الاستراتيجي للمساهمة في تشكيل مجريات الأحداث في المنطقة وخارجها.
واليوم، أصبحت "رأس الحكمة"، شبه الجزيرة التي تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة مانهاتن وتستثمر فيها "القابضة"، جزءاً محورياً من خطة مصر لجذب ملايين السائحين الأجانب سنوياً.
وأكد السويدي على استقلالية الصندوق في مثل هذه الاستثمارات، لكنه أوضح في الوقت نفسه أن "القابضة" تعمل ضمن إطار استراتيجي أوسع يضعه قادة أبوظبي، من بينهم الشيخ طحنون بن زايد، رئيس مجلس إدارة الشركة، الذي يضطلع بدور نشط في توجيه سياساته.
بالنسبة إلى الصفقات التي تقودها الحكومة، تقع على عاتق "القابضة" مسؤولية إبراز المخاطر المحتملة أو اقتراح بدائل أخرى، وهي مهمة تتطلب توازناً دقيقاً في كثير من الأحيان.
قال السويدي: "نحن كيان مملوك للدولة، وإذا أرادت الدولة منا شراء شيء لأسباب استراتيجية، فسوف نقوم بذلك".