الإمارات تتراجع عن سباق الذكاء الاصطناعي وسط هيمنة أميركية وصينية

الإمارات تتراجع عن سباق الذكاء الاصطناعي وسط هيمنة أميركية وصينية -- May 07 , 2025 6

المصدر:
بلومبرغ
في غضون أشهر من إطلاق تطبيق "تشات جي بي تي" (ChatGPT) أواخر عام 2022، أعلنت مختبرات بحثية في الإمارات عن تطويرها نماذج ذكاء اصطناعي منافسة موثوقة. وتصدر القائمة آنذاك نموذج "فالكون" (Falcon)، وهو نظام مفتوح المصدر يحظى بشعبية واسعة، تم تطويره بدعم حكومي، إلى جانب نموذج "جيس" (Jais)، الذي سُمي تيمناً بأعلى قمة جبلية في الدولة.

في بيان صدر عام 2023 عقب إطلاق نموذج "جيس"، قال بينغ شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة التكنولوجيا الإماراتية "جي 42" (G42): "مستقبل الذكاء الاصطناعي لم يعد حلماً بعيداً، بل أصبح واقعاً ملموساً".

لكن الواقع الحالي يشير إلى أن الحلم الإماراتي ببناء نماذج ذكاء اصطناعي تنافسية محلية لا يزال بعيداً. إذ يُظهر نموذج "فالكون" تأخراً واضحاً مقارنة بالنماذج المتقدمة التي طورتها شركات أميركية، سواء من حيث عدد المستخدمين أو التصنيفات العامة. وفي الوقت ذاته، قامت "جي 42" مؤخراً بسحب مواردها من مشروع "جيس"، وركزت بدلاً من ذلك على تطوير ميزات مخصصة تُبنى على نماذج طورتها شركات أخرى، مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI).

قال شياو لـ"بلومبرغ" في أبريل: "في الأيام الأولى، لم نكن ندرك إلى أي مدى يمكن أن تتطور نماذج الأساس أو ما الذي يلزم للوصول إلى المرحلة التالية.. ليس منطقياً لدولة بحجمنا أن تخوض هذا المسار".

السباق العالمي يحتدم بين واشنطن وبكين
بعد مرور أكثر من عامين على انطلاق موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات السباق العالمي نحو تطوير نماذج أكثر تطوراً يبدو وكأنه يقتصر بشكل متزايد على قوتين رئيسيتين فقط. فبينما تقود حفنة من الشركات الأميركية هذا السباق عبر ضخ مليارات على الرقائق الإلكترونية ومراكز البيانات واستقطاب المواهب لبناء أكبر وأقوى النماذج، تسارع الصين للحاق بالركب، وتغمر السوق بنماذج مفتوحة المصدر ومنخفضة التكلفة لتعزيز نفوذها التكنولوجي.

أما معظم الدول الأخرى، حتى الغنية منها مثل الإمارات، فتجد نفسها "تائهة" في منتصف هذا السباق.

في هذا السياق، شهدت العديد من مشاريع الذكاء الاصطناعي التي كانت واعدة سابقاً في الشرق الأوسط وأوروبا تراجعاً حاداً أو توقفت تماماً عن مواصلة التطوير. فعلى سبيل المثال، اتخذت شركة "ألف ألفا" (Aleph Alpha) الألمانية، التي كان يُشاد بها سابقاً كمنافس أوروبي لشركة "أوبن إيه آي"، قراراً شبيهاً بما قامت به شركة "جي 42" العام الماضي. أما شركة "ستابيليتي إيه آي" (Stability AI) البريطانية، إحدى رواد النماذج المبكرة، فقد انتكست بشكل كبير نتيجة مشكلات إدارية. وحتى شركة "ميسترال" (Mistral) الفرنسية، التي تلقت دعماً كبيراً من رؤوس الأموال الاستثمارية والمدعومة من حكومة البلاد، لم تظهر بعد مؤشرات قوية على نجاح تجاري حقيقي أو اهتمام واسع من المطورين.

إعادة تقييم استراتيجية الذكاء الاصطناعي في المنطقة
كما هو الحال في العديد من الأسواق العالمية، تعيد الشركات في منطقة الشرق الأوسط تقييم جدوى الاستثمار في بناء نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة من الصفر.

كيريل إيفتيموف، المدير التنفيذي لوحدة الحوسبة السحابية "كور 42" (Core 42) التابعة لـ"جي 42"، أشار إلى أن نموذج "جيس" قد يكون "نموذجاً متقدماً" وتنافسياً إذا واصلت الشركة الاستثمار فيه. وأضاف: "لكن هل تُعد هذه هي الاستراتيجية التجارية الصحيحة للاستحواذ على حصة سوقية؟ على الأرجح، لا".

في عام 2023، أطلقت الإمارات شركة جديدة باسم "إيه آي 71" (AI71)، وُصفت بأنها ذراعاً تجارية لنموذج "فالكون"، الذي طورته جهة بحثية حكومية. لكن "إيه آي 71" انتهجت في النهاية نهجاً مشابهاً لما اتبعته "جي 42" و"ألف ألفا"، وركزت جهودها على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي مصممة خصيصاً لاستخدامات تجارية محددة، اعتماداً على نماذج متنوعة، من بينها "فالكون"، بحسب ما ذكره متحدث باسم الشركة.

"فالكون" يواجه منافسة عالمية
رغم أن "فالكون" لا يزال يُعد النموذج الأكثر تنافسية على مستوى الإمارات، إلا أنه يعاني من صعوبة في مجاراة التطورات المتسارعة التي تحققها النماذج مفتوحة المصدر التي أطلقتها شركات مثل "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms) و"ديب سيك" (DeepSeek) الصينية.

في عام 2023، أعلن معهد الابتكار التكنولوجي (TII)، الجهة المطورة لـ"فالكون"، أن النموذج احتل المركز الأول بين النماذج مفتوحة المصدر على منصة (Hugging Face)، وهي واحدة من أهم مؤشرات التصنيف في قطاع الذكاء الاصطناعي. غير أن البيانات اعتباراً من الأسبوع الماضي أظهرت أن "فالكون" لم يعد ضمن قائمة أفضل 500 نموذج على لوحة التصنيفات الخاصة بالمنصة.

وصرح ممثل عن المعهد بأن "فالكون" تجاوز عتبة 55 مليون تحميل. إلا أن هذا الرقم لا يزال محدوداً مقارنة بنماذج "لاما" (LLaMA) التابع لشركة "ميتا"، والذي حصد أكثر من مليار تحميل.

كما أشار إلى خطط مرتقبة لدمج النموذج مع شركات عاملة في مجالات الأمن السيبراني والروبوتات والحوسبة السحابية والتي سيتم الإعلان عنها قريباً. وأكد في بيانه أن "قيمة نموذج الذكاء الاصطناعي لا تُقاس فقط بنتائج الأداء في الاختبارات الأولية، بل في مدى قدرته على دعم الابتكار وتوسيعه بمرور الوقت".

محاولات كسر الهيمنة الأميركية والصينية
من جهتها، اتجهت شركة "جي 42" نحو سبل أخرى للاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية بعيداً عن تطوير النماذج من الصفر. فقد وسعت الشركة نشاطها في قطاع مراكز البيانات بمنطقة الخليج، كما أن صندوق الاستثمار "إم جي إكس" (MGX)، الذي شاركت في تأسيسه، قدم دعماً لمطوري الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركتي "أوبن إيه آي" و"إكس إيه آي" (xAI).

تسعى الدول إلى تطوير ما يُعرف بالنماذج السيادية للتحكم بشكل أكبر في طريقة تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، إما لتوجيه طريقة عملها أو لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، حسب ما قاله مايكل برونشتاين، أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة أوكسفورد، خلال مؤتمر "الآلات تستطيع الرؤية" (Machines Can See) في دبي. لكنه حذر من أن انتشار النماذج مفتوحة المصدر يجعل من الصعب الحفاظ على تنافسية هذه المبادرات.

في الوقت نفسه، طُرحت بعض هذه النماذج أيضاً كوسيلة لتمثيل اللغات والفئات السكانية غير الممثلة بشكل كافٍ في نماذج وادي السيليكون. فعلى سبيل المثال، دربت "أوبن إيه آي" ونظيراتها نماذجها إلى حد كبير على بيانات الإنترنت، التي تميل بشكل واضح نحو المحتوى الإنجليزي.

لكن نور الحسن، الرئيسة التنفيذية لشركة "ترجمة" (Tarjama) المتخصصة في خدمات الترجمة ومقرها دبي، قالت إن تطوير أداة فعالة باللغة العربية لا يتطلب بالضرورة بناء نموذج لغوي ضخم من الصفر.

وأوضحت أن شركة "أرابيك إيه آي" (Arabic.AI)، وهي شركة ناشئة جديدة احتضنتها "ترجمة"، أطلقت مؤخراً نظام ذكاء اصطناعي طُور من خلال ضبط دقيق لمجموعة من النماذج الكبيرة، وهو نهج ترى أنه أكثر كفاءة للشركات التي تولي أهمية للتكلفة في خدماتها. وأضافت: "لست بحاجة إلى نماذج ضخمة بهذا الحجم لأداء مهمة محددة لبنك مثلاً".

"جيس" خارج أولويات "جي 42"
صُمم نموذج "جيس" من قبل شركة "جي 42" ليكون مخصصاً لتشغيل روبوتات الدردشة باللغة العربية.

وفي سبتمبر، أطلقت الشركة نموذجاً لغوياً باللغة الهندية تحت اسم "ناندا" (Nanda)، كجزء من استراتيجيتها التوسعية داخل السوق الهندية.

وأوضح أندرو جاكسون، مدير وحدة الذكاء الاصطناعي "إنسيبشن" (Inception) التابعة لـ"جي 42"، أن الشركة وشركاءها في الأبحاث سيواصلون العمل على تحديث هذين النموذجين.

إلا أنه أضاف أيضاً أن "هذا ليس هو التركيز التجاري بالنسبة لنا. علينا أن نجني المال".

أقرأ أيضاَ

بدقة تصل إلى 90%.. نموذج ذكاء اصطناعي يكتشف تطوّر مرض التصلّب المتعدد

أقرأ أيضاَ

لصالح xAI .. ماسك يبدأ ثاني أكبر جولة تمويل في العالم