أحكام ضريبية للتجارة الإلكترونية في طور الإعداد في لبنان

أحكام ضريبية للتجارة الإلكترونية في طور الإعداد في لبنان -- Jun 12 , 2025 14

هاتف ذكي مزوّد بكاميرا جيّدة، مايكروفون (اختياري)، بهذه العدّة الأساسية، ينطلق كثيرون اليوم في عصر الاقتصاد الرقمي ليتحوّلوا إلى "مؤثّرين" على منصات التواصل الاجتماعي، ساعين وراء أرباح مالية تعتمد على نسبة المشاهدة والتفاعل. يتنوّع المحتوى الذي يقدّمه هؤلاء بين الشروحات، النصائح، التحدّيات، ويُعرض عادة على شكل فيديو قصير عبر منصات مثل "يوتيوب"، "تيك توك"، و"إنستغرام" و"فايسبوك". مع ارتفاع عدد المشاهدات، يتوسّع حضور المؤثّر وشهرته، وترتفع بالمقابل عائداته. لكن هذه "الموضة المنتجة"، التي تشهد تسارعاً مطّرداً، تطرح جملة من التساؤلات حول كيفية تحويل هذه الأرباح من كل أقطار العالم إلى مستحقيها في لبنان؟ فهل تمرّ عبر القنوات المصرفية الرسمية، أم يتم استلامها من خلال مؤسسات مالية بديلة مثل شركات تحويل الأموال؟ وهل تخضع تلك الأرباح للضرائب؟ وما هو الإطار القانوني الذي ينظّم ذلك؟


لا يتخطّى الفيديو الواحد، من حيث المبدأ، الثلاث دقائق على "تيك توك" و"إنستغرام" و10 دقائق على "يوتيوب" لجذب متتبعي وسيلتي التواصل بشكل دائم. أما الأرباح من المحتوى الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيمكن أن تتفاوت بشكل كبير بحسب نوع المنصّة، الجمهور المستهدف، ومستوى الاحتراف. بعض الأشخاص يحققون عشرات الدولارات شهرياً، بينما آخرون يجنون آلاف الدولارات، أو حتى الملايين سنوياً.

بالنسبة إلى المقيمين في لبنان، العائد من "يوتيوب" و"تيك توك" يعتمد بشكل كبير على مكان المشاهدين وليس فقط على مكان المقيم. الربح من "يوتيوب" التقديري في لبنان يتراوح بين 0.30 و1.5 دولار لكل 1000 مشاهدة (من لبنان أو دول عربية مشابهة). ويرتفع إلى مبلغ يتراوح بين 3 و15 دولاراً لكل 10 آلاف مشاهدة، وبين 30 و150 دولاراً لكل 100 ألف مشاهدة، ولكل مليون مشاهدة يتراوح بين 300 و1500. ما يعني أن المردود يتطلّب مجهوداً، على المؤثّر أن يقوم به أينما وجد وأينما ارتأى أنه مناسب.

وإذا كان الجمهور من أوروبا أو الخليج، فالربح يرتفع بشكل ملحوظ إذ قد يحقّق دولاراً لكل 1000 مشاهدة و5 دولارات لكل 1000 مشاهدة في السعودية أو كندا.

أما التقدير التقريبي من صندوق TikTok فهو أقلّ بكثير في المنطقة العربية ويتراوح بين 0.002 و0.005 دولار لكل 1000 مشاهدة وبين 0.05 و 0.20 دولار لـ 10 آلاف مشاهدة وبين 0.50 و 2 دولار لكل 100 ألف مشاهدة وبين 5 و 20 دولاراً لكل مليون مشاهدة.


لذلك، إن معظم دخل صانعي المحتوى اللبنانيين على "تيك توك" يتأتّى من الرعايات (شركات تدفع مقابل إعلان مباشر) البث المباشر (Live Gifts من المتابعين) والبيع والترويج بالعمولة (Affiliate Marketing) أي ترويج منتجات أو خدمات شركات أخرى، وكلما قام أحد الأشخاص بالشراء من خلال المروّج يحصل على عمولة.

بالنسبة إلى الترويج بالعمولة (Affiliate Marketing)، كلّ بيع يتم عبر الفرد تقابله نسبة من قيمة المبيع. كما هناك، إدارة حسابات أو إنشاء محتوى للآخرين وهي خدمات مطلوبة جداً في لبنان وتحقّق عائداً يتراوح بين 100 و 500 دولار شهرياً مثل إدارة حسابات لأشخاص أو شركات أو تصوير محتوى، تصوير محتوى Reels.

كيف تحوّل الأرباح؟

هناك من يتقاضى أرباحه من "يوتيوب" عبر المصرف إذا كان لديهم حساب "فريش"، وآخرون يتقاضون من خلال شركات تحويل الأموال. في هذا السياق أوضح مستشار إلإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي بشير تغريني لـ "نداء الوطن" أن منصّة "يوتيوب" و"تيك توك"، هما الأكثر استخداماً من قبل صنّاع المحتوى في لبنان الذين يحقّقون من خلالهما أرباحاً. أما التحويلات إلى محققي الأرباح في لبنان عبر "يوتيوب" فتصل إليهم من خلال حسابات موجودة في المصارف لمن لديه حساب "فريش" بالدولار أو من خلال شركات تحويل الأموال. أما "تيك توك" فلا يُتيح حالياً الدفع المباشر عبر شركات مالية في لبنان إذ تسدّد المبالغ لمستحقيها عبر مكاتب تقدّم خدمات عدة مثل تلك التي تتعلّق بالنقد الرقمي، فتسدّد قيمة الـ coins المحصّلة من "تيك توك" نقداً مقابل عمولة".


مع الإشارة هنا إلى أن مستخدم "تيك توك" الذي يكون live مثلاً يتلقى هدايا افتراضية gifts من مشاهدين تكون عبارة عن coins فتتحوّل الهدايا إلى Diamonds تحوّل في ما بعد إلى "كاش".

بالنسبة إلى الرسوم أو الضرائب على العائدات يقول تغريني "إذا كان المرسل من خلال "يوتيوب" من الولايات المتحدة يتم اقتطاع الضريبة من المبلغ في أميركا قبل تحويله إلى لبنان من خلال المصرف الوسيط الذي يحصل بدوره على رسم للخدمة وعند وصول المبلغ إلى لبنان يتقاضى المصرف المحلّي عمولة الحوالة".

المكمّل: ضريبة على الدخل

في سياق الرسوم المترتّبة، هل يسدّد المؤثرون الذين يكسبون المال من خلال عملهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضريبة على هذا الدخل؟ وفي الأساس، هل هناك في لبنان قانون يجيز تسديد ضريبة على الأرباح الرقمية؟

رئيس جمعية الضرائب اللبنانية هشام المكمّل أجاب على هذا السؤال فقال: "لا يوجد حالياً قانون ضريبي في لبنان ينظّم الضريبة المتعلقة بالتجارة الإلكترونية. فالإدارة الضريبية في طور إعداد نص تشريعي أو قانوني ضريبي لتنظيم الأحكام الضريبية المتعلقة بهذه التجارة، علماً أن مسوّدة هذه النصوص التشريعية والقوانين غير متوفّرة للجمهور حالياً إذ إنها ما زالت محصورة ضمن الإدارة الضريبية أو المؤسسات التشريعية المناط بها إصدار هذه القوانين".

وغياب أي نصّ ضريبي خاص بالتجارة الإلكترونية يوجب، استناداً إلى المكمل، و"وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، لا سيما قانون ضريبة الدخل، على هؤلاء الأشخاص المبادرة إلى التسجيل لدى الإدارة الضريبية والتصريح عن كل إيراداتهم المتأتية من هذا المجال ودفع الضريبة المتوجبة عن تلك الإيرادات".


لكن، في ظلّ عدم وجود رقابة، فإنّ "الغالبية العظمى من الأشخاص العاملين في هذا المجال لا يصرّحون عن إيراداتهم المتأتية من هذا المجال. فهم يستغلّون عدم وجود بيئة تشريعية له، وهذا يطرح تحدّياً جدّياً أمام الإدارة الضريبية في إدخال هذا النوع من التجارة ضمن نطاق التكليف الفعلي. وبما أن هذه المبالغ بمعظمها تمرّ عبر النظام المصرفي أو شركات تحويل الأموال المحلية والعالمية، فإن القوانين المعمول بها في العديد من الدول والاتفاقيات (FATCA, CRS ، قانون رقم 55 تبادل المعلومات لغايات ضريبية...) قد تتيح الكشف عن عمليات التهرّب الضريبي الخاصة بهذا المجال، وخاصة في الدول التي تلتزم وتمتثل لتطبيق مثل هذه القوانين بجدية وصرامة".

مقابل تلك المشهديّة، تقوم بعض الدول باقتطاع ضريبة من البلد الذي تحوّل منه الأموال، في تلك الحالة ألا يجب عدم التصريح عن الضريبة في لبنان، التزاماً بمبدأ عدم الازدواج الضريبي؟ حول ذلك يقول المكمّل "إذا تقاضت دولة ضريبة على الأموال المحوّلة من الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن ذلك لا يعفي هؤلاء الأشخاص من ضرورة الالتزام بالقوانين الضريبية المحلية، ويبقى موجب التصريح قائماً، ويبقى الربح النهائي خاضعاً للضريبة مع مراعاة اتفاقيات الازدواج الضريبي في حال وجوده".

في وقت تنظّم فيه دول عدّة اقتصاد المحتوى الرقمي وتواكب مسار هذا القطاع الواعد وتحقّق عائدات ضريبية من كبار المؤسسات والفنانين الذين يجنون أرباحاً كبيرة، لا يزال لبنان غير قادر على مواكبته أقلّه تشريعياً ، واضعاً في الأولوية الخطة الاقتصادية المنتظرة منذ 5 سنوات ليخرج من أزمته، ويستعيد الثقة بقطاعه المصرفي.


كيف تتعامل الدول مع إيرادات مواقع التواصل الاجتماعي؟

فرضت دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا، إيطاليا، والنمسا ضرائب على الإيرادات التي تحققها شركات التكنولوجيا الكبرى من الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فرنسا على سبيل المثال فرضت ضريبة على الإيرادات الرقمية بنسبة 3 % بما في ذلك الإعلانات على "فايسبوك" و"يوتيوب".

في الولايات المتحدة الأميركية لا توجد ضريبة رقمية فدرالية محددة، لكن، صنّاع المحتوى ملزمون بالإبلاغ عن الدخل من "يوتيوب"، "تيك توك"، وغيرها، ضمن الإقرار الضريبي السنوي. ويتم ذلك من خلال النماذج الإلكترونية مثل 1099 من غوغل ويتم الإبلاغ إلكترونياً عبر نظام IRS الإلكتروني.

المملكة المتحدة فرضت ما يسمى بـ Digital Services Tax بنسبة 2 % على إيرادات شركات التكنولوجيا التي تتخطى أرباحاً معينة من مستخدمين داخل بريطانيا. وتطال الإعلانات الرقمية، المحتوى الممول، والبيانات.

الهند طبّقت ضريبة تُعرف باسم Equalisation Levy: تستهدف الخدمات الرقمية المقدّمة من شركات أجنبية مثل فايسبوك، يوتيوب إلى مستخدمين هنود، تبلغ نسبتها 6 % على بعض الخدمات، و2 % على إيرادات التجارة الرقمية.

مصر تطبّق نظاماً إلكترونياً على صناع المحتوى، فمن يحقق دخلاً من مواقع التواصل أو" يوتيوب" ملزم بالتسجيل في مصلحة الضرائب.


أما دول الخليج مثل السعودية، الإمارات فلم تعتمد الضرائب على الدخل الشخصي، لكن بعض الدول بدأت تفرض ضريبة على الإعلانات الرقمية أو على الشركات الأجنبية التي تبيع خدمات رقمية في الدولة. في السعودية، الهيئة العامة للزكاة والضريبة ألزمت الشركات الكبرى الأجنبية بالتسجيل لضريبة القيمة المضافة (VAT).

باتريسيا جلاد - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

قروض دولية جاهزة للقطاع الخاص و "كفالات" تتحرّض للعب دور الوسيط

أقرأ أيضاَ

لبنان على القائمة المالية السوداء...مزيد من العزلة وانعدام الثقة الدولية به!