الصين مستعدة تماماً بانتظار تسونامي الدولارات الرقمية -- Jun 28 , 2025 10
المصدر:بلومبرغ
لم تستخف بكين بمارك زوكربيرغ عندما طرح فكرته الكبرى حول عملةٍ عالمية تلبي "الاحتياجات المالية اليومية لمليارات الأشخاص". كما أنها لا تتجاهل حالياً الحماسة المتزايدة حول تنظيم العملات المستقرة في الولايات المتحدة. فقد أعدّت شركات التجارة الإلكترونية النافذة في الصين، إلى جانب القدرات المالية لهونغ كونغ، البلاد جيداً لمواجهة تسونامي الدولارات الرقمية المرتقب.
هدّد مشروع "ليبرا" (Libra) القائم على تقنية بلوكتشين (الذي أُعيد تسميته لاحقاً "ديم" (Diem)، والذي أطلقه مؤسس "فيسبوك" عام 2019، بإطلاق موجة مماثلة من الدولرة، بحيث تحلّ العملة الأميركية -أو وحدة دفع اصطناعية تهيمن عليها العملة الخضراء- محلّ العملات المحلية.
كانت الصين، التي لطالما تطلعت إلى التحرر من هيمنة الدولار، قلقة بشكل خاص من أن تجتاحها هذه الموجة. لذا استعدّت بإطلاق نسخة رقمية رسمية من اليوان يمكنها منافسة "ليبرا"، مع الحفاظ في الوقت ذاته على الشؤون النقدية تحت السيطرة الصارمة للدولة. لكن بعدما أوقفت الجهات التنظيمية الأميركية مشروع "ليبرا/ديم"، لم تعد بكين مضطرة للتحرك على وجه السرعة.
تحدٍّ أكثر جدية لليوان
لكن هذه المرة، التحدي أكثر جدية. فالرئيس دونالد ترمب يدعم بشدة العملات المشفرة. وستحظى بالدعم التنظيمي الأميركي عملات مثل "يو إس دي تي" (USDT) الصادرة عن "تيثر" (Tether)، و"يو إس دي سي" (USDC) التابعة لـ"سيركل" (Circle)، وجميع النسخ الأخرى من العملات المشفرة التي تعادل دولاراً واحداً، وقد يُكسبها هذا قبولاً واسع النطاق سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. كما أن وزير الخزانة سكوت بيسنت محق في أن هذه الأدوات الخاصة يمكن أن تكون وسيلةً لتوسيع هيمنة الدولار.
يتعلق النقاش في الولايات المتحدة حول علاقة النقود المشفرة في الغالب بالمصالح التجارية. إذ تتأهب الشركات الناشئة في مجال العملات المشفّرة –وحتى عمالقة التجزئة– لاجتياح الحصون التقليدية لشركات الدفع الراسخة.
عملات رقمية خاصة بـ"أمازون" و"وول مارت"
تراجعت أسهم "فيزا" (Visa Inc) و"ماستركارد" (Mastercard Inc) الأسبوع الماضي عقب إقرار مجلس الشيوخ قانون العملات المستقرة، وأعلنت "كوينبيس" (Coinbase Inc) أنها ستتيح قبول عملة "يو إس دي سي" من قبل تجار "شوبيفاي" (Shopify).
أما "أمازون دوت كوم" و"وولمارت" (Walmart Inc)، فتدرسان إصدار عملات رقمية خاصة بهما، بحسب ما أفادت به صحيفة "وول ستريت جورنال". وبالنظر إلى ودائع الأفراد المعرضة للخطر، فلن تتأخر المصارف الأميركية الكبرى في اللحاق بهما.
الدولار الرقمي سلاح جيوسياسي فعال
لكن خارج الولايات المتحدة، يُعتبر الدولار الرقمي، وبحق، أكثر بكثير من مجرد تهديد لأرباح قطاع الدفع وقاعدة ودائع القطاع المصرفي؛ إذ يمكن أن تشكل سلاحاً جيوسياسياً بالغ الفعالية. فماذا ستفعل بكين لمواجهته؟ لا يُعد اليوان الرقمي الرسمي، وهو مشروع سُرّع العمل عليه رداً على عملة زوكربيرغ "ليبرا"، سلاحاً من العيار الثقيل. حتى على الصعيد المحلي، فلا يزال استخدام اليوان الرقمي (e-CNY) محدوداً إلى حدٍّ ما.
كما أنه لم يحقق تقدماً يُذكر خارج الصين. فالسُّلطات النقدية في دول أخرى، التي كان يمكنها تسهيل تحويل اليوان الرقمي إلى عملاتها القانونية المحلية والعكس، فقدت اهتمامها بعملات البنوك المركزية الرقمية، لا سيما النسخة المخصصة للأفراد. وبالنسبة للصين، التي تخوض أصلاً نزاعاً تجارياً وتكنولوجياً مع الولايات المتحدة، فإن كل هذا يشكل نقطة ضعف خطيرة.
تهديد للضوابط الرأسمالية الصينية
لن يكون الحظر القانوني على تحويل اليوان إلى عملات مشفّرة غير مرخّصة كفيلاً بمنع دخول الدولارات الرقمية. فالصين، في نهاية المطاف، تُنتج للعالم. والعديد من هذه الشركات المورّدة هي شركات صغيرة. وإذا بدأت هذه الشركات بقبول دولارات افتراضية على مواقع أجنبية لتفادي الرسوم المرتفعة وسعر الصرف غير المواتي الذي يُثقل كاهل المدفوعات عبر الحدود، فستنتهي الحال بالأسر الصينية وهي تمتلك أرصدة عملات مشفرة بعيدة عن أعين السلطات.
وستتمكن من إنفاق هذه المدخرات ليس فقط على الإجازات الخارجية والتعليم والأزياء، بل أيضاً على العقارات الأجنبية و"بتكوين". وقد تنهار الضوابط الرأسمالية في الصين، وتتعرض قدرتها على تحديد أسعار الفائدة المحلية لضغوط شديدة.
هونغ كونغ ورقة الصين الرابحة
لكن قبل أن يصل الأمر إلى هذا الحد، ستلعب الصين ورقتها الرابحة: هونغ كونغ.
شجّعت بكين المنطقة الإدارية الخاصة على أن تصبح مركزاً رائداً للأصول الرقمية في آسيا. وعبر توسيع نطاق حماية قانون الأوراق المالية ليشمل العملات المشفرة المتداولة على شبكات بلوكتشين العامة، تعمل المدينة بشكل متواصل على بناء الثقة في العملات المشفرة. وتضم حالياً 11 منصة مرخّصة لتداول الأصول الرقمية.
وابتداءً من أغسطس، سيكون لديها قانون خاص بالعملات المستقرة، قد تستفيد منه شركات مثل "ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered Plc) و"آنت غروب" (Ant Group)، التابعة لعملاقة التجارة الإلكترونية "علي بابا"، لإصدار عملات رقمية مقوّمة بدولار هونغ كونغ. أما "جيه دي دوت كوم" (JD.com) فلديها بالفعل اسم مبدئي لعملتها المشفرة: "جينغدونغ" (JINGDONG).
الصين مستعدة لدرء موجة الدولرة
سيكون من السهل على المورّدين الصينيين الصغار على منصّتي "علي بابا" و"جيه دي دوت كوم" قبول المدفوعات من العملاء الأجانب عبر عملات مستقرة مقوّمة بدولار هونغ كونغ. فهم لن يتفادوا فحسب الرسوم المرتفعة للتحويلات، بل سيعلمون أيضاً أن هذه المعاملات تحظى بمباركة بكين. كما سيثقون بأن أموالهم آمنة، ومحفوظة في منصة تداول خاضعة للتنظيم في مدينة ترتبط عملتها بالدولار الأميركي. وقد تُشجّع الصين حتى الشركات في دول "مبادرة الحزام والطريق" على استخدام هذه الأدوات. أما الخطوة التالية على هذا الطريق، فستكون العملات الرقمية المرتبطة باليوان الخارجي.
الصين مستعدة تماماً للهجوم الوشيك من جماعة الكريبتو الأميركيين، إذ تمتلك منصّات تجارة إلكترونية قوية، وفي موقع مثالي للاستفادة القصوى من قطاع التكنولوجيا المالية الصديق للعملات المشفّرة في هونغ كونغ. وقد يكفي هذا المزيج لدرء موجة الدولرة.