الحكومة: خصخصة الاتّصالات قبل الإصلاحات -- Jul 03 , 2025 7
أقرّ مجلس الوزراء الأسبوع الفائت، قرارًا يقضي بإعداد دفتر شروط وعقد تخمين، للأصول الثابتة وغير الثابتة في وزارة الاتّصالات، من أجل إطلاق عملية خصخصة القطاع. القرار مبنيّ على اقتراح وزير الاتّصالات شارل الحاج. القرار يهدف حسبما هو معلن، إلى إطلاق مناقصة تلزيم عقد التخمين، وفقًا لقانون الشراء العام.
هذه المناقصة سوف تكون المرحلة الأولى من الخصخصة، إذ سوف تقوم الوزارة بنقل أصول شركتي الخلوي وكذلك هيئة أوجيرو إلى شركة "ليبان تيليكوم"، التي كان يفترض أن تؤسّس بموجب القانون 431 الصادر في عام 2002، أي بتأخير 23 سنة.
السؤال الذي يُطرح بعد هذا القرار: هل فعلًا لبنان بحاجة إلى خصخصة قطاع الاتّصالات؟ وما هي دقّة التوقيت؟ ولماذا تستعجل وزارة الاتّصالات الخصخصة اليوم؟ ولماذا يجاري مجلس الوزراء الوزير بقرار كهذا قبل إقرار الإصلاحات؟
لا شكّ أنّ قطاع الاتّصالات بحاجة إلى إشراك القطاع الخاص في إدارته عن طريق الخصخصة، وذلك نتيجة عوامل عدّة:
- أوّلها، سوء الخدمات التي يقدّمها القطاع بسبب الأزمة.
- ثانيها، زيادة أسعار الخدمات بفعل غياب المنافسة القويّة. فحصر هذا القطاع الذي يُعدّ بمنزلة "نفط لبنان"، بشركتين فقط أدّى في العقدين الماضيين إلى اتفاق الشركتين (ومن خلفهما الدولة) على المواطنين، مقدّمتين الحدّ الأدنى من الخدمات.
- ثالثها، عدم مواكبة الحداثة. إذ لم يستطع القطاع التحوّل نحو الإنترنت السريع (الجيل الخامس - 5G) وذلك لأسباب عدّة، منها عدم حماسة الشركتين، ولا حتى الدولة، لتطوير الخدمات رغم قدرة الإنترنت السريع على زيادة الفرص الاستثمارية وتحفيز النموّ الاقتصادي وخلق فرص العمل.
ناهيك بالتغطية الرديئة بين المناطق، خصوصًا النائية منها، على الرغم من صغر حجم الجغرافيا اللبنانية، حيث يقدّر حجم لبنان بحجم محافظة واحدة في بعض الدول المجاورة، مثل سوريا أو مصر أو الجزائر...
خصخصة القطاع كفيلة بزيادة الخدمات ورفع مستوى أدائها. كما أنّها كفيلة بإدخال إيرادات ثابتة لخزينة الدولة من دون تحمّل أيّ مسؤولية تنفيذية. لكنّ الأمر سيبقى مرهونًا بطرح دفتر شروط مُحكم، يحاكي المعايير الدولية، ويشجّع الشركات الغربية الكبرى على الاستثمار في القطاع، وليس حصر دفتر الشروط بالشركات المحلية ووفق المنطق التحاصصيّ السائد في لبنان من خلال رسم الدفتر على مقاسها.
أمّا لناحية التوقيت، فيمكن القول إنّ الخطوة By the book. يقوم الوزير بواجبه لناحية تنفيذ القوانين المتأخّرة. إن كان لناحية إعداد دفتر الشروط أو لناحية التخمين، باعتبار أنّ التخمين ممرّ إلزامي من أجل بلوغ الخصخصة. لكن يبدو أنّ ثمة "قطبة مخفية" خلف هذا الاستعجال. لأنّ توقيت طرح الخصخصة اليوم يعتبر "سيئًا للغاية"، لأنّه يأتي في ظلّ الأزمة الاقتصادية، وكذلك قبل رسم خطة تعافٍ متكاملة.
وعليه، فإنّ السؤال الذي يُطرح في هذا الصدد: ماذا عن بقيّة القطاعات؟ الكهرباء والبريد مثلًا. ماذا عن المطار والمرافئ؟ هل التوجّه الحكومي يرمي إلى وضع خطة اقتصادية تقضي بخصخصة هذه القطاعات كلّها؟ أم أنّ خصخصة قطاع الاتّصالات هي استثناء؟ أو ربّما هي "تهريبة" لكونها تأتي قبل رسم الهوية الاقتصادية الجديدة للبلاد.
المنطق يفترض أن تأتي الخطة قبل الخصخصة، وقبل وضع دفتر الشروط حتى... وإلّا فنحن أمام تضارب في الأهداف والأولويات. ويمكن القول إنّ موافقة حكومة الرئيس نواف سلام على خصخصة قطاع الاتّصالات، قبل الاتفاق على "خطة التعافي" بكلّ تفاصيلها، وإقرار قانون الفجوة المالية، هي بمنزلة استباق، أو عملية حرق مراحل غير مبرّرة. فماذا لو وصل النقاش إلى ضرورة تحميل الدولة مسؤولية (أو ربما جزء يسير من المسؤولية) في الأزمة الاقتصادية؟
بذلك تكون قد "هرّبت" قطاعًا كاملًا من عملية توزيع الخسائر أو من خطة استثمار قطاعات الدولة لردّ الودائع.
عماد الشدياق - نداء الوطن