لماذا تنقل كبرى الشركات الخليجية والدولية مراكزها التشغيلية إلى مصر والمغرب والهند؟ -- Jul 08 , 2025 10
في السنوات الأخيرة، بدأت معالم تحول هادئ لكن عميق في خارطة التشغيل داخل منطقة الخليج. كبرى الشركات مثل الفطيم وإعمار، وشركات التدقيق العالمية مثل PwC وDeloitte، تتجه اليوم لنقل مراكز الخدمات المشتركة (Shared Services Centers) إلى دول منخفضة التكلفة مثل مصر والمغرب والهند.
هذا التحول ليس صدفة، بل استجابة حتمية لواقع اقتصادي جديد فرض نفسه على المشهد الخليجي، حيث تجاوزت تكاليف المعيشة في بعض العواصم الخليجية 60% من دخل الموظف، مع ارتفاع كبير في تكاليف الإقامة والتأشيرات والسكن المفروش.
من ناحية أخرى، توفر مصر والمغرب والهند ثلاثية جذابة لأي شركة تبحث عن الكفاءة والجودة بتكلفة أقل. فهناك بنية تحتية رقمية نامية، وتعليم عالي المستوى، وشريحة كبيرة من الشباب المتقنين للغات الأجنبية والمهارات الرقمية.
شهادات وتحركات على الأرض
شركات مثل يونيليفر لم تكتف بإعادة توزيع بعض المهام، بل قامت بنقل إدارة عمليات الرواتب لموظفيها في أوروبا بالكامل إلى مركزها التشغيلي في القاهرة، لتصبح مصر مركزًا رئيسيًا لعملياتها المالية والإدارية.
أما شركات كبرى في قطاع العقارات والتجزئة كـالفطيم وإعمار، فبدأت بالفعل في تحويل وحدات الدعم التشغيلي إلى مصر والهند، ضمن إستراتيجية شاملة لإعادة هيكلة سلاسل القيمة الداخلية وتقليل التكاليف التشغيلية دون المساس بجودة الخدمة.
اقرأ أيضاً: تأثير التضخم على الرواتب في الدول العربية.. مع نظرة استثنائية لمصر
وفي قطاع الاستشارات المالية، باتت شركات مثل برايس واتر هاوس و ديلويت تعتمد بشكل متزايد على فرقها في الهند ومصر، للقيام بوظائف تحليل البيانات والتقارير الداخلية والمراجعة المبدئية، و خبراء تصميم ، برمجة برنامج ساب مما يقلل التكاليف ويوفر مرونة في التوسع.
أرقام تعزز الاتجاه
تشير تقارير حديثة إلى أن الشركات تحقق وفورات تشغيلية تتراوح بين 40 إلى 60% عند نقل مراكزها إلى دول مثل مصر والهند.
في الهند، يُتوقع أن يتجاوز عدد مراكز الكفاءة العالمية 2400 مركزًا بحلول عام 2030، بإجمالي إنفاق يفوق 110 مليار دولار.
تعتمد أكثر من 30% من الشركات العالمية على نموذج "البناء والتشغيل ثم التحويل" (Build-Operate-Transfer) لتقليل المخاطر وتسريع وتيرة التشغيل.
مكاسب متعددة الاتجاهات
بالنسبة للشركات، فإن هذا التحول يتيح لها تقليل النفقات، وتحقيق مرونة تشغيلية، والاستفادة من المواهب المحلية. أما الدول المستقبِلة مثل مصر، فتحقق من خلال هذه المراكز قيمة مضافة حقيقية، سواء من حيث فرص العمل أو نقل المعرفة أو جذب الاستثمارات الأجنبية غير التقليدية.
ما هي الوظائف التي تُنقل؟ وما مستويات الرواتب؟
الوظائف التي يجري نقلها إلى مراكز الخدمات المشتركة في مصر والمغرب والهند تشمل عادة أدوارًا إدارية وتشغيلية ذات طابع تكراري أو قابل للأتمتة، لكنها مؤخرًا أصبحت تشمل أيضًا وظائف عالية القيمة مضافة. أبرز هذه الوظائف تشمل:
· خدمة العملاء والدعم الفني (Customer Support & Helpdesk)
· الرواتب والمزايا (Payroll & Compensation)
· المحاسبة والتقارير المالية (Accounting & Financial Reporting)
· إدارة الموارد البشرية (HR Shared Services)
· مشتريات وسلاسل التوريد (Procurement & Supply Chain)
· تحليل البيانات والتقارير (Data Analytics & Reporting)
· خدمات تكنولوجيا المعلومات (IT Support & Infrastructure)
· الامتثال والحوكمة وضبط الجودة (Compliance & Quality Assurance)
في مصر، يتراوح متوسط راتب موظف الدعم الفني أو المحاسبة التشغيلية بين 12,000 إلى 18,000 جنيه مصري شهريًا (ما يعادل 400–600 دولار)، بينما يحصل نفس الدور في الإمارات أو السعودية على راتب يتراوح بين 8,000 إلى 12,000 درهم أو ريال شهريًا، أي ما يعادل 2,200–3,300 دولار تقريبًا.
أما وظائف تحليل البيانات أو الإشراف على الرواتب الإقليمية، فتتراوح الرواتب في مصر بين 25,000 إلى 40,000 جنيه مصري، بينما تصل إلى 15,000 درهم أو أكثر في دول الخليج.
هذه الفجوة في التكاليف، التي قد تصل إلى 60% في بعض الحالات، هي التي تدفع كبرى الشركات لإعادة تقييم سلاسل القيمة التشغيلية. ومع تطور كفاءة الكوادر في مصر والمغرب والهند، لم تعد المسألة مجرد خفض للتكلفة، بل أصبحت فرصة لتطوير منظومات تشغيل عالية الكفاءة وبمقاييس عالمية، مع تحفيز الأسواق المحلية على رفع معايير الأداء والاحتفاظ بالمواهب داخليًا.
وفي ظل استمرار الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف التوظيف في الأسواق الخليجية، يبدو أن النموذج الجديد في إدارة الموارد والتشغيل أصبح أكثر من مجرد خيار مؤقت، بل توجه استراتيجي طويل الأمد يعيد رسم خريطة العمل في المنطقة.