"مراجعة الإنفاق الاجتماعي": مقاربة محاسبية للانقضاض على القطاع العام

"مراجعة الإنفاق الاجتماعي": مقاربة محاسبية للانقضاض على القطاع العام -- Jul 15 , 2025 6

تستمر التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والجهات المموّلة منها في لبنان بتضخيم الأرقام المتعلقة برواتب الموظفين، ومعاشات المتقاعدين، والتقديمات الاجتماعية بشكل عام، مثل المساعدات الاجتماعية، وخدمات الرعاية الصحية والتعليمية التي تقدّمها الدولة للعاملين في أجهزتها.

 

الهدف بات واضحاً، وهو يكمن في ما يُسمّى «إعادة هيكلة القطاع العام»، أي تقليص حجمه وخفض كلفته. ومنذ بضع سنوات، يتم التصويب على معاشات التقاعد التي نالت الأزمة منها كما نالت من رواتب الذين هم في الخدمة، إلا أنه رغم ذلك، بقي الهدف في إعادة الهيكلة قائماً بذريعة «تورّم» الإنفاق الاجتماعي.



خلص معدّو تقرير «مراجعة الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية من عام 2017 حتى عام 2024» الصادر عن معهد باسل فليحان ومنظمة العمل الدولية واليونيسف، إلى أن معاشات المتقاعدين تشكّل 11% من إجمالي الموازنة العامة، و2.1% من الناتج المحلي خلال فترة الدراسة، أي من عام 2017، حتى عام 2024.


كما وصف التقرير موظفي القطاع العام بـ«المستفيدين الرئيسيين من الإنفاق على الحماية الاجتماعية». أيضاً تبيّن لهم أن أفراد الأجهزة الأمنية يحظون بحصص مالية تفوق بكثير تلك المخصّصة للموظفين المدنيين. لذا، أوصى التقرير بـ«إصلاح نظام التقاعد في القطاع العام، وتطبيق قانون التقاعد الجديد».


لكن أتى الطلب من دون تحديد مكامن الإصلاح المطلوب إجراؤها على نظام التقاعد، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول سبب التصويب المستمر على المتقاعدين، وكأنّ المطلوب فقط هو تخفيف كلفة التقاعد والمتقاعدين من خلال شطب حقوق هؤلاء تماماً والتخلص منهم.


كما، لم يُذكر شيء عن التقصير الحكومي في تطبيق قانون التقاعد الجديد، والذي ينتظر صدور عدد من المراسيم التطبيقية ليصبح ساري المفعول.



في الواقع، حاول معدّو التقرير إجراء مقاربة محاسبية للإنفاق الاجتماعي، وهو ما يجعلهم متماهين مع معايير وشروط البنك الدولي التي تنظر إلى الإنفاق الرسمي بالأرقام فقط، من دون أي بُعد اجتماعي - سياسي - اقتصادي. فالمقارنة في الأرقام خلطت بين فترة ما قبل انهيار المصارف وسعر صرف الليرة، وفترة الأزمة التي لم تتعامل معها السلطة رغم مضي خمس سنوات على انفجارها.


فالانهيار خلق أزمة شوّهت بنية الأجور في لبنان، وأدّت إلى مزيد من الفقر والهجرة وقضمت جزءاً كبيراً من الطبقة الوسطى... رغم ذلك، لم يتغيّر النقاش بشأن رواتب العاملين في القطاع العام بين المرحلة السابقة والمرحلة الحالية، إذ ما زال التركيز على معاشات التقاعد. هذه محاولة لتشوية حقوق المتقاعدين تقوم على قراءة «سطحية» لأرقام موازنة عام 2024. ففي السنوات التي تلت الانفجار كانت الأرقام كنسبة من الموازنة العامة، أو كنسبة من الناتج المحلي في تغيّر مستمرّ. لا يمكن قراءة الأرقام بهذه الطريقة.

ad

فعلى سبيل المثال، في عام 2024 بلغت نسبة «معاشات التقاعد» من مجمل الموازنة العامة 7.8% فقط، وفي موازنة عام 2025 انخفضت هذه النسبة إلى 5.7%، لا كما يقول معدّو التقرير بأنها تصل إلى 11% من إجمالي الموازنة العامة.



وتظهر الفجوات العميقة في حال النظر في قيمة المبالغ المخصّصة للمتقاعدين في الموازنة. ففي موازنة عام 2019، شكّلت حصة معاشات المتقاعدين من إجمالي الموازنة نسبة 11%، بمبلغ إجمالي وصلت قيمته إلى 1.7 مليار دولار.


أما في موازنة عام 2024، فانخفضت حصّة معاشات المتقاعدين إلى نسبة 8% من إجمالي الموازنة، وبسبب تدهور سعر الصرف، انخفضت قيمتها ووصلت إلى 275 مليون دولار رغم المساعدات الاجتماعية التي أضيفت إليها.



لذا، لا تشكّل معاشات التقاعد نسبة 77% من إجمالي الإنفاق على التأمينات الاجتماعية كما ورد في متن التقرير، بل تشكّل 25% من مجمل بند «المنافع الاجتماعية» في موازنة عام 2024، إذ خُصّص للمعاشات مبلغ 24 ألف مليار ليرة، فيما بلغت مخصّصات «المنافع الاجتماعية» نحو 99 ألف مليار ليرة.


ويُذكر أنّ هذا البند يحدد معاشات التقاعد، بالإضافة إلى التقديمات الاجتماعية لموظفي القطاع العام، ومساهمات الدولة في مختلف صناديق التعاضد الصحية.



في تحليل الأرقام والمعلومات الواردة في التقرير، يُقصد بـ«الحماية الاجتماعية» الأركان الخمسة بحسب الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، وهي التأمينات الاجتماعية التي تشمل معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة والتأمين الصحي للموظفين والمتقاعدين، والمساعدات الاجتماعية المخصّصة لدعم الأسر الفقيرة، وخدمات الرعاية الاجتماعية الموجّهة لأصحاب الحاجات الخاصة من معوّقين ومسنّين، وخدمات سوق العمل المكوّنة من برامج التدريب المهني والإرشاد، فضلاً عن برامج الحماية من المخاطر والصدمات.


وهنا، أعاد التقرير تأكيد المؤكّد بأنّ «الاعتمادات المخصّصة للحماية الصحية ارتفعت اسمياً، ولكنّها تراجعت بشكل حادّ بالقيمة الحقيقية».

بمعنى آخر، رفعت الدولة بالليرة المبالغ المخصّصة للتغطية الصحية، ولكنّ التغطية لم تعد أبداً إلى ما كانت عليه قبل الانهيار النقدي والمصرفي رغم زيادة حصة بند «المنافع الاجتماعية» من مجمل الموازنة العامة.


فعلى سبيل المثال، في موازنة عام 2019 وهو عام انفجار الأزمة، بلغت نسبة بند «المنافع الاجتماعية» 19% من مجمل الموازنة، في حين، وصلت هذه النسبة إلى 32% في موازنة عام 2024.

ولكن من ناحية القيمة، بلغت قيمة المبالغ المخصّصة للحماية الاجتماعية 2.9 مليار دولار في موازنة عام 2019، فيما بلغت قيمة هذه المبالغ 1.1 مليار دولار في موازنة عام 2024. وفي حال المقارنة مع عام 2017، تزيد نسبة تراجع إجمالي الاعتمادات المرصودة للحماية الاجتماعية لتصل إلى 79%، إذ كان مجموع الاعتمادات المرصودة للحماية الاجتماعية والصحية يساوي 6.1 مليارات دولار.

وفي سياق مرتبط، وجد معدّو التقرير «اختلالاً في الأولويات في توزيع الأموال بين أركان التأمينات الاجتماعية». فالركن الأكبر من الإنفاق الاجتماعي يوجّه نحو ركن التأمينات الاجتماعية، وفقاً للتقرير، إذ يستحوذ هذا الركن على نسبة 57.7% من إجمالي هذا الإنفاق.

في المقابل، لم يذكر سبب بقاء الإنفاق الرسمي على المساعدات الاجتماعية محدوداً، ولم يأت التقرير على ذكر أنّ الأموال الموجّهة لدعم الفقراء عبر «برنامج أمان» مثلاً، والذي تديره وزارة الشؤون الاجتماعية، هي قروض البنك الدولي ومساهمات الجهات المانحة. فالحكومة لم تشارك بعد في تمويل هذه المساعدات، علماً أنّها تعهّدت بتمويل البرنامج بـ50 مليون دولار في موازنة عام 2026.

فؤاد بزي - الاخبار

أقرأ أيضاَ

بالارقام- مشاريع الاستثمارية الأجنبية المباشرة الـGreenfield في لبنان

أقرأ أيضاَ

لمن يفكر في بيع الذهب.. هذا ما ينتظرك خلال الأسابيع المُقبلة