تطورات متسارعة في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي.. فما هي؟ -- Aug 13 , 2025 15
المصدر:الشرق
شهدت سوق رقائق الذكاء الاصطناعي تطوّرات متسارعة مؤخراً، بما في ذلك سماح الرئيس الأميركي دونالد ترمب ببيع رقائق متطورة إلى الصين، وفق شروط. بينما حذّرت الأخيرة شركاتها من استخدام أشباه موصلات أميركية معينة لدواعٍ أمنية. فما هي مزايا ومخاطر هذه المنتجات محور التجاذب بين واشنطن وبكين؟
بارك ترمب استئناف تصدير رقائق (Nvidia H20 وAMD MI308) إلى الصين بشرط دفع 15% من الإيرادات للحكومة، وطرح كذلك إمكانية تسليم نسخة أبسط من شريحة "بلاكويل" إلى الصين مع تحجيم قدراتها بنسبة 30–50%.
هذه المقاربة الجديدة في التجارة التقنية أثارت خلافاً داخلياً حاداً بين من يرى أنها تُحسّن موقع الشركات الأميركية، ومن يرى أنها تُسهم في تمكين بكين على نحو يُقلّص تفوّق واشنطن التكنولوجي.
تصعيد أمني صيني
في الوقت نفسه حثت الصين الشركات المحلية على تجنب استخدام معالجات H20، خاصة في الأغراض الحكومية. خلال الأسابيع القليلة الماضية، أرسلت السلطات الصينية إشعارات إلى مجموعة من الشركات تُثنيها عن استخدام أشباه الموصلات الأقل تقدماً، وفق "بلومبرغ".
تتمتع رقاقة "H20" بقدرة حسابية أقل مقارنة مع أعلى منتجات "إنفيديا"، لكن النطاق الترددي الكبير لذاكرتها يجعلها مناسبة لمرحلة الاستدلال في تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تتعرف النماذج على الأنماط وتستخلص الاستنتاجات. وهذا جعلها خياراً مرغوباً من قبل شركات مثل "علي بابا غروب هولدينغ" (Alibaba Group Holding) و"تينسنت هولدينغز" (Tencent Holdings) الصينيتين، في وقت تكافح فيه عملاقة الرقائق المحلية "هواوي تكنولوجيز" (Huawei Technologies) لإنتاج كميات كافية من المكونات المتقدمة لتلبية احتياجات السوق.
بيئة تجارية معقدة
تأتي هذه التطورات وسط بيئة سياسية وتجارية معقدة فرضتها القيود الأميركية، وما أعقبها من تسويات استثنائية سمحت باستئناف المبيعات مقابل اقتطاع نسبة من الإيرادات لصالح واشنطن.
اتفاق إعادة تصدير الرقائق، التي كانت إدارة ترمب قد أوقفتها في أبريل الماضي بدعوى حماية الأمن القومي، أعاد فتح نافذة أمام "إنفيديا" و"إيه إم دي" في أكبر سوق للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، لكنه في المقابل رفع تكلفة الملكية على العملاء الصينيين، وأعاد رسم معادلة المنافسة مع البدائل المحلية التي تقدمها شركات مثل "هواوي".
رقائق أقل أداء
على الصعيد التقني، تعتمد رقائق (Nvidia H20) على معمارية (Hopper) المعدلة لتتوافق مع القيود الأميركية، وتضم ذاكرة (HBM3) بسعة 96 غيغابايت وعرض نطاق يبلغ نحو 4 تيرابايت/ثانية، مع قدرة معالجة تصل إلى 296 تيرافلوب بدقة FP8. ورغم أنها أقل أداءً من شرائح (H100/H200)، إلا أنها تقدم ميزة واضحة في تشغيل نماذج اللغة الكبيرة في مهام الاستدلال (Reasoning)، ما يجعلها ملائمة للخدمات السحابية التي تتعامل مع ملايين الطلبات المتزامنة. الجمع بين سعة الذاكرة الكبيرة والنطاق العريض يعدّ عامل جذب رئيسياً لمطوري الخدمات الإنتاجية، حتى وإن لم تكن الشريحة الخيار الأمثل لتدريب النماذج المتطورة.
أما رقائق (AMD MI308)، فتعتمد على معمارية (CDNA) للحوسبة المسرَّعة، بعد تعديل مواصفاتها لتتوافق مع ضوابط التصدير الأميركية. تدعم الشريحة ذاكرة (HBM3) عالية النطاق، ما يحافظ على استقرار الأداء في عمليات التدريب والاستدلال. ورغم أنها أدنى أداءً من معالجات (MI300) الرائدة، فإنها توازن بين كفاءة الطاقة وقدرة المعالجة، مما يجعلها خياراً عملياً لأعباء العمل المتوسطة والكبيرة في بيئات الحوسبة السحابية. وتستفيد (MI308) من منصة (ROCm) مفتوحة المصدر، ما يمنحها مرونة عالية في دعم أطر عمل مثل (PyTorch وTensorFlow)، ويسهّل دمجها مع البنى السحابية.
"هواوي" تعزز مكانتها
في المقابل، تعزز "هواوي" موقعها في السوق الصينية عبر سلسلة (Ascend)، وعلى رأسها (910C/910D)، المدعومة بمنصة (CloudMatrix) التي تربط مئات المسرّعات على مستوى مراكز البيانات. وتنافس شريحة (910C) بقوة في الاستدلال مع تكامل عميق مع برمجيات "هواوي" مثل (MindSpore)، وإمكانية نقل النماذج بسهولة من بيئات مثل (PyTorch) و(TensorFlow). وقد حظيت باهتمام خاص بعد تشغيل نموذج (DeepSeek R1) على مصفوفات (910C)، في خطوة تهدف لتعويض الفجوة مع "إنفيديا" عبر التوسّع في الربط الشبكي للشرائح.
ورغم تفوق "إنفيديا" من حيث الأداء، فإن شحنات "هواوي" من (910C) توسعت في الربعين الماضيين، مع طلبات من شركات الإنترنت الكبرى مثل "بايت دانس" و"بايدو"، إضافة إلى شركات اتصالات محلية، ما يعيد رسم خريطة الاعتماد على المنتجات في البنية السحابية الصينية.
عبء مالي إضافي
اليوم، يواجه السوق الصيني معادلة جديدة: فمن جهة، أعادت الصفقة الأميركية شرائح (H20 وMI308) إلى خطوط الإمداد، لكنها فرضت عبئاً مالياً مباشراً بنسبة 15% على سلسلة القيمة، يتوقع المحللون أن يتم تمريره جزئياً إلى العملاء. ومن جهة أخرى، باتت البدائل المحلية قادرة على تأمين الاستدلال واسع النطاق والتدريب الجزئي، مع مزايا التوافر السريع والدعم المحلي.
ووفق تقرير لـ"فايننشال تايمز"، تراجعت هيمنة "إنفيديا" في الصين بشكل حاد خلال أربع سنوات مع صعود "هواوي"، في تحول ساهمت فيه القيود الأميركية. وتميل الشركات الصينية إلى تبني استراتيجية هجينة، عبر توزيع المهام بين منصات (Ascend) للاستدلال واسع النطاق، و(H20/MI308) للوظائف التي تستفيد من منظومات (CUDA) و(ROCm)، وهي مقاربة مرشحة للتوسع في ظل استمرار الضغط على الأسعار نتيجة تكلفة الامتثال والاقتطاعات المالية المفروضة على الرقائق الأميركية.