تغطية الفجوة بمخزون الذّهب؟

تغطية الفجوة بمخزون الذّهب؟ -- Sep 04 , 2025 34

يسيطر التشويش على أذهان اللبنانيّين في موضوع الودائع. يُستدلّ على ذلك من سوء فهم الرأي العامّ للإجراءات القضائيّة بحقّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، عند توقيفه وعند الموافقة على إخلاء سبيله.


في المرّة الأولى ظنّ الناس أنّ القضاء بدأ يضع يده على أكبر انهيار مصرفيّ وماليّ في تاريخ لبنان والمنطقة، وأنّ المسؤولين عن الكارثة سوف يتعاقبون على دخول السجون، الواحد تلو الآخر. عندما وافقت الهيئة الاتّهاميّة على إخلاء سبيل سلامة لقاء كفالة ماليّة كبيرة، سرت شائعات بأنّ “المافيا” التي شاركته في المخالفات الماليّة اكتفت بهذا القدر من التوقيف وقد حان الوقت لإقفال الموضوع ونسيانه.

الحقيقة أنّه لا هذا صحيح ولا ذاك. توقيف الحاكم السابق لا علاقة له بتاتاً بالانهيار المصرفيّ والماليّ، ولا بضياع حقوق المودعين في مصارف لبنان خصوصاً، بل هو يتعلّق بقضيّة فرعيّة تدور حول “حفنة من الدولارات” تقلّ كثيراً عن الفجوة الماليّة التي باتت اليوم، بعد ذوبانها، تبلغ حوالي 80 مليار دولار.


أسرار الانهيار وخفاياه

القصد من هذا التوضيح هو القول إنّ السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لم تفتح حتّى الآن ملفّ الانهيار الماليّ لتكشف أسراره وخفاياه، على الرغم من فداحة الكارثة التي قوّضت النظام المصرفي والنقدي وهزّت أركان الاقتصاد اللبناني. لو تصرّف النظام بمسؤوليّة لتمّ منذ الأيّام الأولى للانهيار تشكيل لجنة تحقيق نيابية قضائية مستقلّة ذات كفاية وصدقيّة، تبحث جذور المشكلة وتحدّد المسؤوليّات وتسمّي المسؤولين، وتقترح إصلاحات جذريّة للنظام الماليّ والمصرفي.

هذا التقصير الذي استمرّ ستّ سنوات حتّى الآن ساعد في منع إحياء الاقتصاد وتقديم الحلول لمسألة حيويّة هي إعادة الودائع لأصحابها بدل استمرار هؤلاء أسرى الأوهام والوعود، التي يتناقلها المسؤولون من دون طائل.

أطلق الرئيس نبيه برّي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر دعوة إلى الحكومة لكي تسرع الخطى في إنجاز مشروع القانون الذي يعالج الفجوة الماليّة، ويُفترض أن يضع خارطة طريق لإعادة أموال المودعين، كلّ المودعين، على حدّ قوله.


هذه الإشارة من رئيس المجلس النيابي توحي للمودعين بأنّ أموالهم ستعود كاملة “لأنّ الودائع مقدّسة” كما يُقال. يأتي هذا الأمل الجديد بالتوازي مع شعارات مشابهة صدرت عن رئاسة الحكومة، السابقة والحالية، إضافة إلى ما ورد في الاتّجاه نفسه ضمن خطاب القسم، فبقي الأمل حيّاً في صدور المودعين مع أنّ الأرقام لا تفسح في المجال أمام الآمال الكبيرة ضمن المعطيات الراهنة.

لا قانون قبل الانتخابات

تفيد آخر المعلومات بأنّ الدولة لم تهتدِ بعد إلى حلّ لموضوع الودائع، فيما يجري العمل على إعداد مشروع قانون “الفجوة الماليّة” بين وزير الماليّة ياسين جابر وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد. وقياساً على السرعة الحاليّة في إعداد المشروع، يستبعد العديد من المراقبين إنجازه وإصداره قبل الانتخابات النيابيّة المقبلة. فهناك من يعتقد بأن لا مصلحة للنوّاب بأن يصدروا قبل الانتخابات قانوناً لا بدّ أن يتضمّن شطباً لنسبة من الودائع، قد لا تقلّ عن 30 مليار دولار، على الرغم من كلّ الشعارات والوعود.

في إطار صياغة الحلول الممكنة يسعى مصرف لبنان أوّلاً إلى تحقيق التوازن في ميزانيّته. في ميزانيّته الجديدة تشمل المطلوبات الودائع بعد أن يشطب منها حوالي الثلث، وهي نسبة يعتقد المصرف أنّها غير مؤهّلة لاستعادة كامل الودائع، وفي باب الموجودات يشكّل مخزون الذهب أكبر العناصر وتليه ديون المصرف على الدولة وموجودات أخرى. أي أنّ الذهب، دفتريّاً، يموّل قسماً كبيراً من الودائع الباقية.


الحلّ الذي يعملون عليه هو حلّ دفتريّ موزّع على عدد من السنوات لأنّه لا نيّة ولا قدرة عمليّة لبيع مخزون الذهب. إذ يحتاج قرار البيع إلى قانون من مجلس النواب.

السؤال الكبير، على فرضيّة نجاح هذا المشروع، بعد تحقيق التوازن الدفتريّ في ميزانيّة مصرف لبنان وإقفال المشكلة الحسابيّة: كيف ومتى ينهض النظام المصرفي اللبناني ومعه الاقتصاد، في الواقع وخارج الدفاتر؟

غسان العيّاش - اساس ميديا

أقرأ أيضاَ

مزيد من الضرائب والرسوم في الموازنة ولا اعتمادات لتصحيح الرواتب والمعاشات التقاعدية

أقرأ أيضاَ

التبغ نبتة الأمل لأهالي الجنوب.. والغلّة أقل بـ30 في المئة!