وهم مالي في الضمان! -- Oct 06 , 2025 8
سجل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فوائض مالية في فروعه الثلاثة: المرض والأمومة، والتعويضات العائلية، ونهاية الخدمة بحسب النتائج الأولية للنصف الأول من عام 2025. وبلغت قيمة الفوائض المالية 24 ألفاً و361 مليار ليرة، أي ما يوازي 272 مليون دولار. إلا أنّ هذه الفوائض تأتي رغم استمرار لجوء المضمونين إلى تسوّل ثمن الدواء والطبابة والاستشفاء من الجمعيات الخاصة. فإدارة الضمان تتباهى بخصول فوائض محاسبية بالفوائض المالية لا تستخدم لرفع قيمة التغطية للمضمونين.
وسبب الفوائض يعود إلى ارتفاع في إيرادات الضمان بعدما زيد الحدّ الأدنى للأجور من 18 مليون ليرة شهرياً إلى 28 مليون ليرة شهرياً، وزيادة الحدّ الأقصى للكسب الخاضع للحسومات من 12 مليون ليرة إلى 18 مليون ليرة. أما ما يتعلق بـ«حسن إدارة أموال المضمونين»، فلم يظهر في التقرير المالي المرفوع من الإدارة إلى مجلس الضمان أي تحسن في مؤشرات أخرى مثل نسبة تحقق الزيادة في تحصيل الاشتراكات المتوجبة على أصحاب العمل، إن لجهة التصريح الحقيقي عن الأجور وتطبيق المادة 78 من قانون الضمان الاجتماعي حول «التكليف الحكمي» للمؤسسات المتخلفة عن تقديم التصريح الاسمي السنوي عن عدد الأجراء لديها وأجورهم الحقيقية، أو الإمساك بالمؤسسات الوهمية وتقليص حجمها.
على كلّ حال، «الفوائض المحققة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليست أموالاً متروكة لا صاحب لها كما توحي إدارة الصندوق»، يقول أحد أعضاء مجلس الإدارة. ويشير إلى أنّ «هذه الأموال هي حقوق منقوصة للمضمونين، تراكمت بسبب مخالفة القانون، وحرمان المضمونين من حقوقهم من تقديمات صندوق المرض والأمومة، ولا سيّما الطبابة والاستشفاء». بمعنى آخر، تتراكم الأموال في الضمان بسبب عدم دفع الضمان ما يتوجب عليه من مبالغ للمضمونين لتغطية نفقاتهم الصحية. بالنسبة إلى عضو مجلس الإدارة «الفوائض لها استخدام واضح، وهو دعم المضمونين، إن في المستشفيات أو على أبواب الصيدليات والمختبرات. ففي الوقت الذي تنشر فيه الإدارة، وتتباهى بتحقيق عوائد إضافية جرّاء توظيف الأموال في المصارف، يتسوّل المضمونون الطبابة».
وفي هذا السياق، يؤكّد عدد من المضمونين أنّ «بيانات إدارة الضمان في وادٍ والتقديمات في المستشفيات والصيدليات والمختبرات في وادٍ آخر». فالتغطية الحقيقية لا تتجاوز نسبتها 15% من قيمة الفاتورة الاستشفائية على أحسن تقدير، يقولون. ووفقاً لأحد أعضاء مجلس إدارة الضمان، «يعود ارتفاع قيمة الفارق الذي يدفعه المضمون من فاتورته الاستشفائية إلى عدم التزام أيّ من مقدّمي الخدمات، ولا سيّما المستشفيات والأطباء والمختبرات ومراكز الأشعة بتعرفة الضمان». وهذا ما يؤكّده أيضاً المضمونون في المستشفيات، على سبيل المثال، أبلغ أحد المضمونين في المستشفى، وقبل إجراء العملية الجراحية، عن «عدم احتساب أعمال التخدير والإنعاش من ضمن الفاتورة التي يغطيها الضمان»، ما اضطر المضمون إلى تأمين مبلغ ألف و200 دولار إضافي ثمناً للأدوية وبدل أتعاب طبيب التخدير والإنعاش.
ويذكر هنا أنّ الفائض في فرع المرض والأمومة في الضمان، وهو الفرع المسؤول عن دفع تكاليف علاج المضمونين في المستشفيات، يبلغ 11 ألف و326 مليار ليرة، أي 126 مليون و550 ألف دولار. وتشكل أموال الفائض في فرع المرض والأمومة نسبة 46.5% من مجمل الفوائض في فروع الضمان. ورغم هذه الأرقام المرتفعة، لم تبادر إدارة الضمان إلى زيادة التقديمات الاستشفائية، أو إعادة وضع اتفاق جديد مع المستشفيات يخفف من الأعباء الصحية على المضمونين. ووفقاً للتقرير المالي نفسه، يبلغ إجمالي نفقات فرع المرض والأمومة خلال عام 2025 حوالى ألفين و148 مليار ليرة، أي 24 مليون دولار، ما نسبته 15.6% من مجمل واردات صندوق المرض والأمومة.
وهذه المبالغ المتراكمة في فرع المرض والأمومة في الضمان الاجتماعي هي عن عام 2025 فقط. أما الفائض التراكمي في هذا الفرع، فوصل إلى 31 ألف و160 مليار ليرة، ما يساوي 348 مليون دولار، من دون احتساب سلف المستشفيات. وفي حال احتساب السلف، ينخفض الفائض إلى 28 ألف و388 مليار ليرة، أي 317 مليون دولار. وتشكل التقديمات الصحية من إجمالي الفائض التراكمي لفرع المرض والأمومة نسبة 6.7%، إذ بلغت ألفين و104 مليارات ليرة، ما يساوي 23.5 مليون دولار.
ووفقاً للتقرير المالي للضمان عن الأشهر الستة الأولى من عام 2025، ارتفعت إيرادات فرع المرض والأمومة بشكل أساسي جرّاء رفع الحدّ الأدنى للأجور، إذ زاد حجم الكتلة المالية التي يسدّدها أصحاب العمل من 5 آلاف و222 مليار ليرة عام 2024، إلى 11 ألف و437 مليار ليرة، ما نسبته 119% بالمقارنة مع واردات عام 2024. كما دفعت الدولة ألف و203 مليارات ليرة من المبالغ المستحقة عليها عن أجرائها، علماً أنّها لم تسدّد أيّ مبالغ للضمان عام 2024.
مليار و92 مليون دولار، أو 98 ألف مليار ليرة هي قيمة الموجودات العامة لفرع نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي حتى آخر شهر حزيران من عام 2025.
مليار و469 مليون دولار أصول الضمان
بحسب التقرير المالي النصف السنوي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تبلغ قيمة أصول الضمان من أموال في الحسابات الجارية والمجمدة والعالقة في المصارف، والعقارات، 131 ألف و535 مليار ليرة، أي حوالى مليار و469 مليون دولار. ومن ضمن هذه الأموال، يمتلك الضمان سندات خزينة بقيمة 4 آلاف و800 مليار ليرة، ما يساوي 53 مليون و631 ألف دولار بحسب سعر الصرف اليوم. وتعدّ هذه السندات من الأصول التي فقدت قيمتها بعد الانهيار المصرفي والنقدي، إذ كانت تساوي عام 2019، حوالى 3.2 مليارات دولار.
وتشكل الحسابات الجارية بالدولار الجزء الأكبر من أصول الضمان، بنسبة 34.6% من إجمالي قيمة الأصول، وتبلغ قيمتها 45 ألف و587 مليار ليرة، أي 509 ملايين دولار. أما الحسابات المجمدة بالليرة اللبنانية، فتصل قيمتها إلى 5 آلاف مليار ليرة، أي حوالى 56 مليون دولار. ويذكر أنّ للضمان أيضاً عقارات مؤلفة من بناء في منطقة حوش الأمراء، وبناء في الباشورة، وعقارات في البوشرية، تصل نسبتها من إجمالي قيمة الأصول إلى 0.5%، وفقاً للتقرير المالي، إذ لا تزيد على 7 ملايين و435 ألف دولار.
52% ارتفاع في الأسعار منذ تثبيت سعر الصرف
أصدرت دائرة الإحصاء المركزي أخيراً أرقام مؤشّر الأسعار الاستهلاكية عن شهر آب الماضي. وتُظهر هذه الأرقام استمرار مسار ارتفاع الأسعار في لبنان منذ بداية الأزمة عام 2019. معدّل التضخّم التراكمي منذ نهاية عام 2018 حتى شهر آب 2025 بلغ نحو 6900%، أي أن الأسعار، بالليرة، ارتفعت نحو 70 مرّة. إلا أن ارتفاع الأسعار بالليرة لم يعد مهماً كما كان سابقاً، خصوصاً بعد الدولرة التي شهدتها الأجور في سنوات الأزمة.
في الفترة الماضية تحوّل التضخّم من ارتفاع الأسعار بالليرة، إلى مرحلة ارتفاع الأسعار بالدولار. وأبسط الطرق لقياس هذا الأمر هو عبر مقارنة مؤشّر الأسعار في المدة التي استقرّ فيها سعر الصرف بالليرة مقابل الدولار، وهي المدة التي أصبح فيها الارتفاع في مؤشّر الاستهلاك هو ارتفاع خالص بالدولار. بمعنى آخر، لم يعد ارتفاع الأسعار مرتبطاً بتقلبات سعر الصرف. ويمكن القول إنه منذ تشرين الثاني 2023 استقرّ سعر الصرف، نسبياً، بين 89 ألفاً و90 ألف ليرة للدولار الواحد.
منذ ذلك الوقت حتى شهر آب الأخير، ارتفعت الأسعار بنسبة 52%، وكانت أعلى نسبة ارتفاع في هذه المدة من حصّة بند التعليم بنسبة 800%. أما الغذاء فارتفعت أسعاره بنسبة 47%، وهو يمثّل نحو 20% من استهلاك الأسر (بحسب تثقيلات عام 2012). وارتفعت الإيجارات بنسبة 48%، فعلى سبيل المثال، الشقّة السكنية التي كان يبلغ إيجارها 500 دولار شهرياً، أصبح إيجارها 740 دولاراً شهرياً. كما شهدت باقي البنود ارتفاعاً في الأسعار، وأبرزها الصحة (24%)، المطاعم والفنادق (35%)، الاتصالات (28%)، النقل (12%) والألبسة والأحذية (38%).
لم يعد الارتفاع في الأسعار مقروناً بتدهور سعر الصرف، كما كان الحال في بداية الأزمة. فالآن مع استقرار سعر الصرف، لا تزال الأسعار في ارتفاع، وقد بلغ الاقتصاد اللبناني هذه المرحلة بشكل خاص بعد دولرة الأسعار في صيف 2023، إذ أصبحت الأسعار بالدولار تشهد ارتفاعاً مستمراً، وهو ما أسهم في تهالك القدرة الشرائية للأجور، التي لم تتعافَ أصلاً بعد الأزمة.
فؤاد بزي - الاخبار