3 حقائق و5 اسئلة في شأن تحويل الأموال: الثقة لا تعود بالانتقائية -- Oct 06 , 2025 10
أثار الكلام الذي أدلت به مصادر النيابة العامة المالية لـ "نداء الوطن" موجة من ردود الفعل المتفاوتة، بين من رحّب واعتبر أن القضاء بدأ يأخذ دوره الحقيقي، وبين مشكّك رأى في الكلام المنشور مجرد تكرار لنمط ممل اعتمده البعض لتسطير بطولات وهمية على حساب الحقيقة، وأحيانًا على حساب المصلحة العامة.
هل بدأ القضاء يمارس مهامه بعيدًا من التأثيرات السياسية؟ وهل انتهى زمن السلبطة السياسية على مرفق القضاء، ودخلنا مرحلة تثبيت دور السلطة القضائية كسلطة مستقلة، تحمي الحقوق سواسية لكل الناس؟
السؤال طرحته "نداء الوطن" استكمالًا لما نشرته في 4 تشرين الجاري، خصوصًا أن الطبق الرئيسي في كلام مصادر النيابة العامة المالية يتعلق باستعادة أموال جرى تحويلها بعد 17 تشرين، إلى الخارج، وتسعى النيابة العامة إلى إعادتها إلى البلد.
مصدر مالي ونقدي أجاب على السؤال، من خلال تفنيد القضية المثارة، ومن خلال تسليط الضوء على معطيات لم تكن واضحة.
بداية، يؤكد المصدر أن كل خطوة يتخذها القضاء في اتجاه إحقاق الحق، هي "خطوة مباركة ولا يمكن سوى أن تلقى التأييد من قبل كل اللبنانيين".
يضيف: في الموضوع الذي أثير نقلًا عن مصادر النيابة العامة المالية، هناك مجموعة حقائق ينبغي ذكرها كما هي، ومروحة أسئلة لا بد من طرحها وانتظار إجابات عليها، كي يستطيع أي مواطن أن يقيّم ويحكم على ما يجري قضائيًا في قضية حسّاسة تتعلق بأموال جرى تحويلها بعد 17 تشرين.
من الحقائق التي يجب التركيز عليها، تلك المتعلقة بحجم القضية التي يجري الحديث عليها، وهي كالتالي:
أولًا- هذا الملف قديم، وجرى تكوينه من قبل المدعي العام المالي السابق علي ابراهيم، الذي سبق وطلب من مصارف أن تزوده بمعلومات عن رؤساء مجالس إدارة مصارف قاموا بتحويل أموال إلى الخارج بعد 17 تشرين. وقد لبّت المصارف الطلب وزودت النيابة العامة بالمعلومات والأرقام، من دون إسقاط الأسماء على التحويلات. لكنها أبلغت ابراهيم أنها جاهزة لتزويده بأي اسم يعتبر أنه يريد الكشف عنه، للتوسّع أكثر في التحقيقات. ولاحقًا، زودت المصارف النيابة العامة بالأسماء كاملة، بناء على طلبها.
ثانيًا- إن الأسماء الواردة في هذا الملف الذي تحدثت عنه مصادر النيابة العامة المالية إلى "نداء الوطن"، لا يتجاوز العشرين. وبالتالي، فإن مجموع المبلغ الذي جرى تحويله من قبل هؤلاء يعتبر زهيدًا، قياسا بحجم مجموع التحويلات التي جرت بعد هذا التاريخ.
ثالثًا- إن قسمًا من هذه التحويلات عاد إلى المصارف، وبعضه عاد مضاعفًا من خلال التعميم 154 الذي صدر في 27 آب 2020، والتعميم الوسيط رقم 567 الذي صدر في 11 آب 2020. ونصّ التعميم 154 على إلزام المصرفيين والإداريين في القطاع المصرفي بإعادة ما لا يقلّ عن 30 % من الأموال المحوّلة إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، إلى حسابات "خاصة" مجمّدة (blocked accounts) لدى المصارف اللبنانية لمدة خمس سنوات.
ونصّ التعميم الوسيط 567 على إلزام جميع المصارف العاملة في لبنان برفع رساميلها بنسبة 20 % قبل نهاية شباط 2021، بهدف تعزيز متانة القطاع المصرفي في ظل خسائر القطاع وتراجع الأصول بالعملات الأجنبية، وزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة في الخارج. وطُلِب من كل مصرف أن يؤمّن سيولة حرّة (Free Liquid Assets) لدى المصارف المراسلة لا تقلّ عن 3 % من ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية. هذه السيولة يجب أن تكون خارج لبنان ومودعة في مصارف مراسلة من الدرجة الأولى.
هذه الحقائق تقود إلى طرح أسئلة كثيرة من أهمها:
أولًا- كيف سيتم التعاطي مع السياسيين وشريحة الـ "Pep's الذين حولوا أموالهم بضغوطات سياسية وغير سياسية.
ثانيًا- ما مصير من سحب أمواله في تلك الحقبة نقدًا؟ أوليس هؤلاء هم موضع شبهة أكثر ممن حول إلى الخارج، لأنهم يخشون أن تخرج ثرواتهم إلى دول قد تحاسب في شأن مصدر هذه الأموال؟
ثالثًا- كيف سيتم التعاطي مع عدد كبير من المودعين سمحت لهم بعض المصارف بتحويل نسبة مئوية معينة من أموالهم؟ وهل إن عضو مجلس إدارة في مصرف سيدان إذا حول أموالًا احتاجتها عائلته في الخارج، ومودعًا كبيرًا لا يُدان إذا فعل الأمر نفسه؟
رابعًا- هل يحق للقاضي، في قضية رأي عام/ كما هي حال قضية الأموال المحولة، أن يتكتّم حول القانون الذي يستند إليه لتوجيه تهمة التحويل، وهو يدرك أن الإدارة السياسية، وعلى رأسها تلك التي رشحته لمنصبه، كانت وراء إصدار قانون يمنع التحويل. ولو فعلت في حينه لما كانت تمت التحويلات، وفي معظمها قام بها سياسيون نافذون قادرون على التهديد والوعيد؟
خامسًا - هل يجوز في القانون أن يُقال إن تحديد الجرم يتم على أساس "الشخص المحوِّل، أي المصرفي، فيما تحويل المواطن العادي للأموال لا يعدّ جرمًا"؟
في الخلاصة، يعتبر المصدر المالي أن ما نُقل عن مصادر النيابة العامة المالية، يستدعي التوقف عنده، خصوصًا أن المعلومات تشير إلى أن النيابة العامة تحاول التوسع في هذه القضية في اتجاه واحد، أي أنها تريد توجيه إدانات حصرية واستنسابية للمصرفيين دون سواهم، وأنها حاولت أن تحصل على معلومات تتعلق بتحويلات هؤلاء قبل 17 تشرين، أي عندما كانت المصارف تعمل بشكل طبيعي، وكان يحق لأي مودع، صغيرًا كان أم كبيرًا، أن يحوّل أو أن يسحب أمواله أو أن ينقلها من مصرف إلى آخر. فهل المطلوب محاسبة الناس، لأنهم مارسوا حريتهم وفق قانون الاقتصاد الحر، الذي كان ولا يزال قائمًا في البلد؟ أم أنه يمكن ممارسة الانتقائية هنا أيضًا، من خلال اختيار الحلقة الأضعف، للقيام باستعراض شعبوي لن يوصل سوى إلى مزيد من اهتزاز الثقة؟
نداء الوطن