صعود العقل الخبير.. الذكاء الاصطناعي كقاعدة لرؤية 2030 2040

صعود العقل الخبير.. الذكاء الاصطناعي كقاعدة لرؤية 2030 2040 -- Oct 07 , 2025 12

الذكاء الاصطناعي ليس امتداداً لثورة الإنترنت، بل هو بديلها الحقيقي. فالإنترنت وُجدت لتربط الناس وتوسّع نطاق الاتصال، أمّا الذكاء الاصطناعي فيستبدل العقل الخبير نفسه، فيوسّع الإدراك ويصنع القرار بدلاً من التوصيل والتفاعل.

 

 

إننا ننتقل من عصر تدفق المعلومات إلى عصر تدفق الذكاء. فالذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى مساعدة الإنسان على التفكير فحسب، بل صُمّم ليقوم بالتفكير واتخاذ القرار بدلاً عنه، ما يغيّر جذرياً طريقة المجتمعات في صُنع القرار، وتدريب الأفراد، وحل المشكلات المعقّدة.

الذكاء الاصطناعي بوصفه بديلاً للعقل الخبير

 

كل ثورة صناعية استبدلت شكلاً من أشكال القدرات البشرية:

 

 

• الآلة استبدلت الجهد البدني.

 

 

 

• الحاسب الآلي استبدل الحساب اليدوي.

 

 

• الإنترنت ألغت ندرة المعلومة.

 

 

• أما الذكاء الاصطناعي، فقد استبدل العقل الخبير.

 

 

فالأنظمة التوليدية والوكيلة للذكاء الاصطناعي قادرة على فهم البيانات، والتحليل السياقي، واتخاذ قرارات كانت في السابق حكراً على المتخصصين؛ من خبراء الاقتصاد والتدريب إلى صُنّاع السياسات والمحللين.

 

 

لم يعد الذكاء الاصطناعي وسيلة لمساعدة الخبير في الوصول إلى جمهور أكبر، بل أصبح وسيلة لإلغاء عنق الزجاجة المعرفي تماماً، إذ يسمح بانتشار الخبرة فوراً، لا من خلال زيادة عدد الخبراء، بل عبر استنساخ نمط تفكيرهم على نطاق واسع.

من التحليل إلى التنفيذ الذاتي

 

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للمساعدة على اتخاذ القرار، بل أصبح يتخذ القرار نفسه، ويقوم بدور الخبير من خلال التحليل والاختيار والتنفيذ اعتماداً على تغذية راجعة مستمرة.

 

 

على سبيل المثال:

 

 

• سد فجوة المهارات في سوق العمل:

 

 

بدلاً من تنفيذ برامج تدريبية تستغرق سنوات، يمكن للذكاء الاصطناعي -بوصفه «عقلاً خبيراً»- أن يقدّم تدريباً عملياً لمئات أو آلاف السعوديين في وقت قصير.

 

 

إذ يقوم بالتدريس والتقييم والتكيّف مع مستوى كل متدرب في الوقت الحقيقي ليختصر سنوات التطوير المهني في أسابيع.

 

 

• القرارات الاقتصادية والصناعية:

 

 

يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة الإنتاجية والتكاليف والطلب بشكل مستمر، ثم إعادة توجيه الموارد تلقائياً، كما لو كانت هناك لجنة اقتصادية تعمل بلا توقف.

 

 

• الإدارة العامة:

 

 

يمكن للأنظمة الذكية إدارة الإجراءات الحكومية، ومتابعة الامتثال، وتحديث السياسات بشكل ديناميكي، لتصبح الحكومة ذاتية التكيّف وليست مجرد رقمية.

 

 

هذا التحول لا يتعلق بالأتمتة فقط، بل بالاستقلال الإدراكي.

 

 

من البنية الرقمية إلى المؤسسات الإدراكية

 

حققت المملكة تقدماً كبيراً في بناء البنية التحتية الرقمية؛ من مراكز البيانات إلى منصّات الحكومة الإلكترونية.

 

 

لكن البنية التحتية، مهما بلغت قوتها، لا تفكر.

 

 

المرحلة التالية هي بناء مؤسسات إدراكية قادرة على التعلم والاستنتاج واتخاذ القرار ذاتياً.

 

 

وهذا يتطلّب دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في صميم عمل الوزارات والجهات التنظيمية والشركات.

 

 

ولتحقيق ذلك، ينبغي للمملكة أن:

 

 

1. تُفعّل وكلاء ذكاء اصطناعي توليديين داخل الوزارات لتنفيذ المهام المتخصصة، من تخطيط سوق العمل إلى تحليل السياسات المالية.

 

 

2. تُطوّر نماذج سيادية للذكاء الاصطناعي تعكس الثقافة واللغة والاعتبارات الأخلاقية السعودية.

 

 

3. تفعّل التكامل الإدراكي بين القطاعات لربط أنظمة التعليم والمالية والصناعة ضمن منظومة تفكير وطني موحّدة.

 

 

هكذا تتحوّل رؤية 2030 إلى رؤية 2040 من الرقمنة إلى الإدراك.

 

 

الذكاء الاصطناعي ورؤية 2030–2040

 

لقد أعادت رؤية 2030 تشكيل الهيكل الاقتصادي للمملكة،

 

 

أما رؤية 2040 فيجب أن تعيد تشكيل هيكلها المعرفي والإدراكي.

 

 

فالمستقبل السعودي ينبغي ألّا يعتمد على استيراد العقول والخبراء، بل على تدريب ونشر العقول الاصطناعية القادرة على التعليم والإدارة والابتكار محليًا.

 

 

الذكاء الاصطناعي لن يسد فجوة المهارات فحسب، بل سيُنشئ مستويات جديدة من الكفاءة في كل مهنة.

 

 

وكما كان النفط وقود العصر الصناعي، سيكون الذكاء الاصطناعي وقود العصر الإدراكي، ليس كقطاع اقتصادي، بل كنظام تشغيل للاقتصاد كله.

 

 

الخاتمة

 

الذكاء الاصطناعي ليس وسيلة لربط الناس أو أتمتة المهام، بل هو العقل الخبير الجديد الذي يجلب القدرات المتخصصة إلى كل مؤسسة ومكان عمل ومواطن.

 

 

القفزة التالية للمملكة لن تأتي من بناء مزيد من البنى التحتية، بل من تفعيل الذكاء على نطاق وطني لتحويل البيانات إلى بصيرة، والبصيرة إلى قرار، والقرار إلى تقدم.

 

 

إن المستقبل لن يكون للأمم التي تبني السياسات فحسب، بل لتلك التي تسمح للذكاء بأن يقودها.

 

 

ومن هنا، يجب أن تتطور رؤية 2030 إلى رؤية 2030–2040، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي الخبير الوطني الأهم معلّماً وصانع قرار وشريكاً في بناء المستقبل.

cnn

أقرأ أيضاَ

أصوات الذكاء الاصطناعي باتت مطابقة للبشر.. وتحذير

أقرأ أيضاَ

بالذكاء الاصطناعي.. OpenAI تطلق أداة لصنع فيديوهات واقعية وحيوية