هل تشمل تقديرات النمو المتفائلة الاقتصاد غير الرسمي؟

هل تشمل تقديرات النمو المتفائلة الاقتصاد غير الرسمي؟ -- Nov 06 , 2025 6

عندما يصف العالم بأسره لبنان بأنه ظاهرة غريبة، فهو لا يخطئ، لأن المؤشرات الاقتصادية التي يسجلها الاقتصاد اللبناني لا ترتكز مثل غيره من الدول على أسس اقتصادية علمية أو تقنية، بل تظهر حالة فريدة وغريبة من نوعها.

بعدما بلغ إجمالي الانخفاض التراكمي للناتج المحلي الإجمالي في لبنان منذ العام 2019 إلى ما يقارب الـ 40 في المئة، وبعد أن انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 7.1 % في العام 2024، ها هي تقديرات البنك الدولي تفيد بأن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سينمو في 2025 بنسبة 4.7 %، ليكون أوّل نمو إيجابي منذ العام 2017. علمًا أن العوامل التي تشكّل تقنيًا ومنطقيًا، أساسًا ودفعًا لتحفيز وتفعيل النمو وتحريك عجلة الاقتصاد، لم تتحقق في العام 2025 الذي أشرف على نهايته، باستثناء السياحة التي شهدت قفزة نوعية وانتعاشًا كبيرًا خلال فصل الصيف الماضي. فالإصلاحات المطلوبة منذ العام 2019 لمعالجة أسباب وتداعيات الانهيار المالي والاقتصادي، لم تبصر النور بعد، ولم تطبق على أرض الواقع باستثناء بعض الإصلاحات التي تعتبر إدارية مثل تعيين الهيئات الناظمة وإقرار بعض القوانين التي كان المجتمع الدولي يطالب بها رغم أنها لم تؤتِ ثمارها بعد، ولا يعود لها الفضل في الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته البلاد هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، فإن العامل الأساس الثاني لتحفيز النمو، هو التدفقات المالية لإعادة الإعمار، التي هي أيضًا لم تحصل ولم تشهد البلاد أي ورشة لإعادة الإعمار. اما العامل الثالث الأساسي، فهو الاستقرار السياسي والأمني الذي لا يمكن القول إنه قائم بشكل تام، لأنه لا يزال هشًّا وعرضة للخرق في أيّ لحظة من دون التوصّل إلى حلّ لأزمة السلاح.

وبالتالي، فإن ديناميكية الاقتصاد اللبناني الذي عاد حجمه ليرتفع إلى ما لا يقل عن 43 مليار دولار في العام 2025، وفقًا لتقديرات بنك عوده الأخيرة، بنمو متوقع نسبته 5 %، هي حالة نادرة غير متوفرة في دول المنطقة، خصوصًا في ظلّ عدم معالجة أزمة المصارف وعدم استعادة الأخيرة دورها الأساسي في دعم الاقتصاد وتمويله. رغم ذلك، تمكّنت البنوك اللبنانية، قبل حلّ أزمة الودائع وقبل إقرار قانونٍ الفجوة المالية، بأن تجذب ودائع جديدة تخطّت قيمتها الـ 4 مليارات دولار، وهي توازي على سبيل المثال، حجم الودائع الإجمالي في القطاع المصرفي السوري، أي في البلد الذي يشهد نهضة اقتصادية وتكاتفًا دوليًا لإعادة إعماره وتطويره.

وفي مقارنة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5 %، مصر بنسبة 4,5 %، السعودية 4 %، الكويت 3,9 %، العراق 3,6 %، البحرين 3,3 %، الأردن 2,9 %، الجزائر 2,9 %، تونس 2,1 %، المغرب 4,2%، موريتانيا 4,3 % في حين من المتوقع أن ينكمش اقتصاد إيران بنسبة 1.7 % هذا العام.

كيف يحقق الاقتصاد اللبناني نسبة النمو المرتفعة هذه؟ وكيف عاود حجم الاقتصاد بلوغ مستويات قريبة (43) من مستويات ما قبل الأزمة حين بلغ 53 مليار دولار؟ كيف سيكون المشهد لو أن المصارف اللبنانية متعافية وتقوم بدعم وتمويل الاقتصاد؟

في هذا الاطار، أوضح كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في "بنك عودة" مروان بركات أن كافة المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تحقيق نسبة نمو بحدود الـ 5 في المئة على الأقلّ. ولفت إلى أن مؤشرات القطاع الحقيقي مثل تسليمات الإسمنت ورخص البناء والعمليات العقارية بالإضافة إلى حركتي المرفأ والمطار، سجّلت نموًا لافتًا في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالعام الماضي. كما أشار بركات إلى أن حجم الاستيراد نما بنسبة 12 في المئة في الأشهر الثمانية الأولى مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى حوالى 20 مليار دولار في نهاية العام. وقال: رغم أن جزءًا من النمو المحقق في عمليات الاستيراد، هو تضخم مستورد، لكن معدله نسبة إلى الدول التي يستورد منها لبنان يبلغ 5,3 %، وبالتالي عندما تكون نسبة نمو الاستيراد الحقيقية عند حوالى 6,7 % فهذا يشير إلى طلب إضافي واستهلاك إضافي للسلع.

واعتبر بركات أن تلك المؤشرات تدعم نسبة النمو المتوقعة عند 5 في المئة في الاقتصاد اللبناني هذا العام مقارنة بقاعدة متدنية في العام 2024 نظرًا للظروف الأمنية التي كانت سائدة. وبالتالي عندما ينمو الاقتصاد بنسبة 5 % من قاعدة متدنية، لا تشكل هذه النسبة إنجازًا مهمًّا ولكنه مقبول.

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ "نداء الوطن" أن الأرقام المتداولة لحجم الناتج المحلي الإجمالي غير دقيقة ولا تشير إلى حجم الاقتصاد الرسمي إطلاقًا، لافتًا إلى أن أرقام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الرسمية تفيد بأن حجم الناتج المحلي الإجمالي في لبنان في العام 2024 بلغ 28,8 مليار دولار، "وبالتالي إذا فرضنا أن الاقتصاد نما بنسبة 4,7 في المئة في 2025 كما يقدّر الصندوق، فيكون حجم الاقتصاد الرسمي هذا العام قد بلغ 30 مليار دولار وليس 43 ملياراً"

في المقابل، أشار عجاقة إلى أن احتساب حجم الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل وفقًا للبنك الدولي حوالى نصف حجم الاقتصاد الشرعي، ضمن الناتج المحلي الإجمالي الإسمي، قد يؤدي بطبيعة الحال إلى رفع حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى 45 مليار دولار، إلا أن المؤسسات الدولية لا تحتسب حجم الاقتصاد غير الرسمي ضمن مؤشراتها وتقديراتها. لافتًا إلى أنه اليوم، وبعد تعميم مصرف لبنان 170 وتعميم وزير العدل الموجّه لكتاب العدل، أصبح من الصعب جدًّا احتساب الاقتصاد غير الرسمي ضمن الناتج المحلي الإجمالي الرسمي، وبالتالي تمّ عزل اقتصاد الكاش غير الرسمي عن القطاع المصرفي وأصبح من المستحيل نقل تلك الأموال إلى الناتح المحلي الرسمي، خصوصًا أن عيون منظمة العمل المالي فاتف شاخصة على لبنان حاليًا مع اقتراب موعد صدور تقييمها حول لبنان.

وشدد على أنه من المستحيل أن يحقق الاقتصاد اللبناني الرسمي نموًا بنسبة 5 في المئة على الإطلاق ولا حتى أيّ نمو يذكر، في ظلّ غياب 3 عوامل أساسية هي: غياب القطاع المصرفي العنصر الجوهري في عملية الإقراض التي هي المحرّك الرئيس للاقتصاد، انعدام الاستثمارات الأجنبية من الخارج، وغياب الإنفاق الحكومي الاستثماري.

واعتبر أن أقصى ما يمكن أن يحققه الاقتصاد الرسمي من نمو، هو بحدود 0,5 في المئة فقط نتيجة margin error أو نمو تصحيحي، خصوصًا عند الأخذ بالاعتبار نسبة التضخم الرسمية البالغة 15 في المئة. "أما الاقتصاد غير الرسمي، فيمكن أن ينمو 5 في المئة وأكثر ، إذا استطاعت الدولة نقل هذا الاقتصاد إلى الاقتصاد الشرعي، يمكن عندها القول إن نسبة النمو بلغت 5 %.

في الختام، أكد عجاقة أن وجود مصارف متعافية وسليمة كان ليرفع نسبة نمو الاقتصاد الرسمي إلى 5 في المئة أو أكثر.

رنى سعرتي - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

هاني من تنّورين: نعمل على خطط لدعم المزارع وتثبيته في أرضه

أقرأ أيضاَ

"رسوم ستزداد".. ترقبوا "هذه الفاتورة"