تضخّم قطاع الصيدلة: مئات الخريجين سنوياً... إلى سوق عمل مُتخَم!

تضخّم قطاع الصيدلة: مئات الخريجين سنوياً... إلى سوق عمل مُتخَم! -- Nov 07 , 2025 6

يتفوّق لبنان على دول العالم بأربعة أضعاف في أعداد خريجي كليات الصيدلة، يتجاوزون قدرة سوق العمل على استيعابهم. ورغم أنه ليس استثناءً، مع تخريج كليات اختصاصات أخرى أعداداً تفوق قدرة سوق العمل على استيعابها أيضاً، إلّا أن قطاع الصيدلة المستمر في التضخم يتخطى غيره من القطاعات في انفصامه عن الواقع.

تؤكد ذلك دراسة لعضو نقابة الصيادلة، فرج سعاده، بيّنت أن أعداد المنتسبين إلى النقابة ارتفعت من 3414 صيدلانياً عام 2000 إلى 12 ألفاً عام 2025 (416 منتسباً هذا العام)، بمعدل سنوي لا يقلّ عن 500 صيدلاني، يتقاضى الموظفون منهم بين 300 و500 دولار فقط.

عدد الصيادلة في لبنان يفوق بأربعة أضعاف المتوسط العالمي، فبدلاً من أن يكون هناك خمسة صيادلة لكلّ 10 آلاف نسمة (5.09 صيدلانيين وفقاً لمنظمة الصحة العالمية)، باتت المعادلة 20.3 صيدلانياً لكل 10 آلاف نسمة. وانعكس ذلك تضخماً في أعداد الصيدليات التي يتخطى عددها في لبنان ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، بمعدل 7.3 صيدليات لكل 10 آلاف نسمة مقارنة بـ 2.4 صيدلية عالمياً.

بالأرقام، وصل عدد الصيدليات إلى 3568، العدد الأكبر منها في محافظة جبل لبنان مع 1418 صيدلية، تليها محافظتا بعلبك - الهرمل والبقاع (610 صيدليات)، فمحافظات عكار (580) والجنوب (418) والنبطية (307) وبيروت (235)، مع الإشارة إلى أن عدداً من هذه الصيدليات أقفل بسبب الأزمة الاقصادية.

لا يمكن اعتبار العدد المرتفع هذا معياراً للنجاح بقدر ما هو مؤشر إلى الفوضى وسوء التوجيه والتخطيط. فمعظم الصيادلة الذين يبدؤون حياتهم المهنية، إما يفتحون «بزنس» خاصاً بهم، أي صيدليات، في حال امتلاكهم رأس المال الكافي، أو يعملون في صيدليات (63%) أو شركات أدوية (24%). أما المستشفيات، فلا تنسحب عليها «قاعدة» تخطي النسب العالمية.

ففي الوقت الذي يبلغ المتوسط العالمي 13.1 صيدلانياً لكل 100 سرير، تقدّر النسبة اللبنانية بـ 1.9 صيدلة، أي ما يقرب من 5% من مجمل سوق العمل. ولا توجد أمكنة أخرى يلجأ إليها الصيادلة، في ظل هذه الفوضى، وعدم وجود طلب عليهم في سوق العمل الخارجي. فدول الخليج تفضل استقطاب الأطباء، وفي أوروبا تعتبر معادلة مهنة الطب أسهل من معادلة مهنة الصيدلة.

الحل يبدأ من الجامعة
عوامل عدّة أسهمت في الوصول إلى هذه النتيجة، أبرزها الفوضى في ملف التعليم، ولا سيما الجامعي. إذ لا يخضع الطلاب للتوجيه، وهذا ينعكس تخمة في اختصاصات جامعية، كما يحصل اليوم في الصيدلة، ونقصاً في اختصاصات أخرى يحتاج إليها سوق العمل، ولا يرغب الطلاب بها.

في حالة اختصاص الصيدلة، توجد خمس كليات أساسية في جامعات «اللبنانية» و«القديس يوسف» و«العربية» و«اللبنانية الأميركية» و«اللبنانية الدولية». وإذا كان المعدل الوسطي للتلامذة في أربع جامعات منها يراوح بين 50 إلى 60 طالباً، فإن الجامعة الخامسة تخرّج ما يفوق أعداد خريجي الجامعات الأربع، أي بحدود 300 طالب (وصل في بعض السنوات إلى 400 خريج، وفي العام الحالي، يبلغ عدد طلاب سنة التخرج في تلك الكلية بفرعيها 400 طالب). وهذا يعني بين 600 و 650 خريجاً، ثلثهم لا يجتازون اختبارات الكولوكيوم، وبالتالي لا يحصلون على إذن مزاولة مهنة من وزارة الصحة، ما يحوّلهم إلى حملة شهادة لا تخولهم العمل بها.

إضافةً إلى ذلك، يضع هذا العدد المرتفع معيار الكفاءة على المحك، بحسب أعضاء في نقابة الصيادلة، وهو ما يؤثر في جودة التعليم وفي كفاية المعلومات لدى الخريج، ما سينعكس حكماً في سوق العمل. وتعيد طفرة الأعداد هذه الحديث عن واقع قطاع التعليم المحكوم في جزء وافر منه بالسياسة والمحاصصة. ويتطلب إعادة الاعتبار وترتيب هذا القطاع، بحسب نقيب الصيادلة، جو سلوم، «قراراً سياسياً، لأن استمرار خضوع القطاع التربوي للسياسة والتقسيمات الطائفية سيبقي هذا الموضوع من دون حلّ».

والمسؤولية الأساسية تقع على عاتق وزارة التربية، المعنية بـ«الحد من أعداد الخريجين»، وهو ما يجب «تنظيمه منذ البداية عبر إلزام الكليات بعدد معين من الخريجين وفقاً لما يقتضيه سوق العمل». أما النقابة، فيعتبر سلوم أن دورها محدود، انطلاقاً من أن القانون يفرض عليها «فتح باب الانتساب لمن نجح في اختبار الكولوكيوم وحاز إذن مزاولة مهنة من وزارة الصحة».

اقتراحات... لا إجراءات
في المقابل، ورغم إدراك وزارة التربية لهذا الواقع، فإنها لم تتخذ بعد أي خطوة على طريق المعالجة. وجلّ ما يجري مناقشته حالياً اقتراحات منها «الطلب من الجامعة تقديم طلب لتجديد الاعتراف بالشهادة، وهو ما يلزمها بأخذ عدد معين من الطلاب أو زيادة سنوات الدراسة أو التشدّد بشروط الدخول وغيرها».

بالتوازي، يجري العمل على تعديل القوانين، خصوصاً ما يتعلق بنطاق عمل الصيدلاني، إذ إن عمله ليس محصوراً فقط في الصيدليات، وإنما أيضاً في مصانع الأدوية والمستشفيات ومستودعات الأدوية وغيرها. وهو ما تلحظه القوانين المعنية بشكلٍ خجول، وآخرها قانون «الصيدلة السريرية» الذي يحدد صيدلانياً واحداً لكل 100 سرير في المستشفى، علماً أنه كان موضع خلاف بين نقابة الصيادلة التي طالبت بأن يكون لكل طابق صيدلاني، إلا أن نقابة أصحاب المستشفيات رفضت، بحجة أن الرقم كبير. أما الأمر الآخر، فهو ضعف حضور الصيادلة في مصانع الأدوية الوطنية، حيث عددهم أقل من الكيميائيين، ما يستوجب إعادة النظر في مفهوم الاختصاصات، خصوصاً أن كل ما له علاقة بالدواء يفترض أن يكون للصيدلاني أولوية فيه.

راجانا حمية- الأخبار

أقرأ أيضاَ

لجنة الأشغال أٌقرت مشروع قانون ابرام إتفاقية لقرض المقدم من البنك الدولي

أقرأ أيضاَ

هل تُرسَم خرائط الشرق الأوسط بـ "تعايُش الاقتصاد" حتى داخل الدولة الواحدة؟