"منطقة ترامب الاقتصاديّة": مشروع إنمائي أم تغيير ديموغرافي في الجنوب؟ -- Nov 20 , 2025 26
عادت فكرة "منطقة ترامب الاقتصادية" (Trump Economic Zone، أو ما يُعرف باختصار ب T-Zone، إلى الواجهة بقوة، بعدما سبق وأن جرى التداول بها خلال الأشهر الماضية، وبعد أن كانت مجرّد طرح أولي خلال الأشهر الماضية. ومع تسارع المحادثات الأمنية والديبلوماسية بين بيروت وواشنطن و "تل أبيب"، لم تعد الفكرة مجرّد عنوان إعلامي، بل مشروعاً استراتيجياً مطروحاً بجدّية، يحمل رهانات سياسية واقتصادية وأمنية كبرى، ويثير في المقابل مخاوف عميقة في لبنان حول السيادة ومستقبل الجنوب.
ويتناول المشروع عشرات القرى الحدودية بينها الخيام، كفركلا، مركبا، العديسة، عيتا الشعب، حولا، طير حرفا، ميس الجبل، بليدا، عيترون، يارون، الضهيرة، الناقورة، يارين، ومروحين، في منطقة تشهد محاولات "إسرائيلية" موازية لفرض واقع ميداني جديد، عبر إقامة منطقة عازلة وجدار خرساني، يقتطع أجزاء من بعض القرى ويُغيّر معالم الخط الأزرق.
ورغم أن المشروع لا يزال بحسب البعض "اقتراحاً" غير مكتمل، تؤكّد مصادر سياسية مطلعة على الموقف الأميركي، أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينوي تحويله إلى واقع، ولكن دون استعجال، بوصفه خياراً بعيد المدى. الأمر الذي يطرح السؤال الآتي: هل يمكن أن يتحقّق المشروع، في ظل الرفض اللبناني الشعبي والرسمي له، خصوصاً إذا كان سيؤدي إلى اقتطاع أراضٍ وتهجير سكان قرى حدودية كاملة؟
تشير المعلومات إلى أنّ المقترح يشمل ما بين 20 و27 قرية حدودية، تمتد من رأس الناقورة إلى علما الشعب، مروراً برميش، يارون، مارون الرأس، بليدا، ميس الجبل، حولا، العديسة، كفركلا، وصولاً إلى شبعا، بعمق يتراوح بين 3 و5 كيلومترات. وقد طرحه وفد أميركي ضمّ توم بارّاك، مورغان أورتاغوس، والسيناتور ليندسي غراهام في آب الماضي، باعتباره ركناً من أركان "ترسيخ الاستقرار وربط الاقتصاد بالأمن" من دون أي بحث تفاوضي.
غير أنّ مراقبين لبنانيين يرون في ذلك مجرّد غطاء لإنشاء منطقة عازلة أمنية، تهدف إلى تغيير ديموغرافي في الشريط الحدودي، وهو ما يفسّر سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الاحتلال في القرى الملاصقة للحدود، لمنع الأهالي من العودة.
وتكشف المصادر السياسية أنّ "تل أبيب" تحلم بضمّ بلدات لبنانية بينها العديسة، كفركلا، حولا، مركبا وعين الشعب، عبر فرض أمر واقع ميداني، وهو ما سيشكّل أحد الملفات الأساسية التي سيبحثها السفير الأميركي الجديد في بيروت ميشال عيسى مع المسؤولين اللبنانيين، ضمن ملفات الترسيم والسلاح وخفض التوتر الحدودي.
وإذ يتضمّن المقترح الأميركي إنشاء مشاريع بنية تحتية وصناعات خفيفة وبرامج زراعية، بمشاركة مالية خليجية من السعودية وقطر، لخلق فرص عمل لسكان المنطقة وعناصر سابقين من حزب الله "إذا قرروا وضع السلاح جانباً"، بما يعني دمج الأمن بالاقتصاد، لخلق واقع جديد على الحدود، تقول المصادر إنّ المسؤولين اللبنانيين لا يتعاملون بجدّية مع هذا المقترح، نظراً إلى عدم تلقّيهم أي إخبار رسمي بوجود مشروع لمنطقة عازلة أو اقتصادية داخل الأراضي اللبنانية.
كذلك ، فإنّ الموقف اللبناني الأولي منه يرفضه، كونه يعترض أساساً على التسمية "منطقة ترامب الاقتصادية"، وعلى أي وجود أمني أجنبي أو أبراج مراقبة غير تابعة للجيش اللبناني، لما يعنيه ذلك من مسّ مباشر بالسيادة وتهميش لدور الدولة. كما يرفض لبنان إفراغ القرى من سكانها، إذ لا يمكن لأي تعويض مالي أن يشتري علاقة الناس بأرضهم وهويتهم.
ولكن، هل بدأ التنفيذ الفعلي لهذا المقترح، تجيب المصادر السياسية، بأنّه حتى الآن لا دلائل حاسمة على بدء التنفيذ الفعلي، إلا أنّ عدم انسحاب "إسرائيل" من التلال الخمس (أو الثماني)، ومحاولاتها تغيير الخط الأزرق ميدانياً، يجعل بعض الأراضي خارج سلطة الدولة اللبنانية، ويُضعف دور المؤسسات الرسمية، ما لم تتمسك بضرورة الانسحاب من الأراضي المحتلّة، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين وتثبيت الحدود النهائية.
وتختم المصادر بأنّ المشروع يُقدَّم أميركياً كفرصة اقتصادية لتعويض المتضرّرين من الحرب، عبر استثمارات خليجية وربط الاستقرار المالي بالتهدئة، لكن خلفيته الحقيقية استراتيجية هدفها تثبيت نفوذ غربي وتقليص قوة حزب الله، واستبدال سيطرة الدولة بـ"حكم تنمية". ورغم بقائه في مرحلة الطرح والتفاوض وليس التنفيذ، فإنّ لبنان الرسمي والشعبي يرفض أي خطوة تمسّ سيادته أو تغيّر ديموغرافية الجنوب.
دوللي بشعلاني - الديار