قانون الفجوة الماليّة: مفاوضات المصارف والماليّة والمركزي -- Nov 21 , 2025 29
أشارت مصادر مصرفيّة للـ "المدن" إلى أنّ المفاوضات بشأن مسودّة مشروع قانون الفجوة الماليّة شهدت حركة لافتة هذا الأسبوع. إذ تمكّنت وزارة الماليّة اليوم الخميس، من التوصّل إلى اتفاق مع مصرف لبنان، بشأن محضر الاجتماع الأخير للجنة المشتركة بين الطرفين، والتي تم تشكيلها للبت بمصير "دين الـ 16.5 مليار دولار" المُختلف عليه بين الوزارة والمصرف. مع الإشارة إلى أنّ هذا الاجتماع تم عقده يوم الجمعة الماضي، إلا أنّ الوزارة رفضت منذ ذلك الوقت توقيع مسودّة المحضر التي تم إعدادها من قبل مصرف لبنان، بسبب الخلاف حول خلاصات الاجتماع.
كما أفادت المصادر أنّ اجتماع وزير الماليّة ياسين جابر مع وفد جمعيّة المصارف يوم أمس شهد تقدماً ملحوظاً، على مستوى عرض المقاربات التي تتبناها الوزارة بالنسبة لقانون الفجوة الماليّة، من دون أن يدخل البحث في تفاصيل هذه المقاربات. لكن في مقابل هذا التقدّم من جهة وزارة الماليّة، شهدت جمعيّة المصارف منذ يوم أمس المزيد من البلبلة الداخليّة، بعدما تفرّد رئيس الجمعيّة سليم صفير بدعوة مجموعة من المصارف إلى اللقاء مع وزير الماليّة، من دون تعميم الدعوة على مجلس الإدارة أو الجمعيّة العامّة للجمعيّة.
مستجدات دين الـ 16.5 مليار دولار
بحسب مصادر "المدن"، أصرّت وزارة الماليّة على تضمين محضر الاجتماع الأخير تحفظاتها على الاعتراف بدين الـ 16.5 مليار دولار، كالتزام مُستحق على الدولة لمصلحة المصرف المركزي. إذ وجدت الوزارة أنّ مفهوم الدين، كما ينص عليه قانون النقد والتسليف، لا ينطبق على هذه المبالغ.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الدين ظهر للمرّة الأولى في أرقام مصرف لبنان في شباط 2023، حيث قام الحاكم السابق رياض سلامة بإضافته في خانة "الموجودات"، كديون على الدولة اللبنانيّة لحساب المصرف. ورأى سلامة أنّ هذه المبالغ عبارة عن نفقات عامّة مولها المصرف بالعملة الصعبة، منذ العام 2007، وجرى قيدها في حساب دين "مكشوف" بإسم الدولة اللبنانيّة. وبرّر سلامة عدم التصريح عن هذه المبالغ سابقاً بوجود ضمانات نقديّة بالليرة اللبنانيّة، مقابل هذا الدين. ولم يظهر الفارق بين الضمانات بالليرة والدين بالدولار إلا عند تغيير سعر الصرف المُعتمد لإعداد الميزانيّة.
في المقابل، تعتبر وزارة الماليّة أنها لم تصدر أي طلب للاقتراض من المصرف المركزي بهذه الطريقة، ولم تصادق الحكومة أو المجلس النيابي على أي دين من هذا النوع. كما ترى أن النفقات العامّة بالدولار منذ العام 2007، المُشار إليها كدين الآن، كانت مغطاة بإيداعات موجودة بالليرة اللبنانيّة. وهذا ما كان يفرض على المصرف المركزي إجراء عمليّات قطع لتغطية النفقات، أي تحويل الأموال المودعة في مصرف لبنان من الليرة إلى الدولار، بدل تسجيل المبالغ كدين في حساب مكشوف.
في جميع الحالات، تشير المصادر إلى أنّ وزارة الماليّة أكّدت في الاجتماع الأخير استعدادها لتحمّل التزامات معيّنة، لمصلحة مصرف لبنان، إنما تحت عنوان إعادة رسملة المصرف المركزي. لكن من غير المرتقب، بحسب المصادر نفسها، أن تصل قيمة هذه الالتزامات إلى المستوى الذي يطالب به مصرف لبنان حالياً، أي 16.5 مليار دولار أميركي. وفي الوقت الراهن، تتراوح التقديرات بخصوص "مسؤوليّة الدولة" في عمليّة إعادة الرسملة بين 5 و8 مليارات دولار أميركي، بحسب قدرة الدولة على تحمّل ديون مستدامة، بعد التفاوض على إعادة هيكلة الدين العام، مع حملة سندات اليوروبوند.
في المقابل، تشير المصادر إلى أنّ موقف مصرف لبنان بات أكثر ليونة بخصوص هذا الدين، حيث عبّر المصرف عن إمكانيّة إحالة المبلغ برمّته إلى الخسائر التي يطالب بتغطيتها بحسب المادّة 113 في قانون النقد والتسليف. وهذا يعني إمكانيّة الوصول إلى تسوية، تقضي بتحمّل الدولة مسؤوليّة إعادة رسملة المصرف المركزي ضمن حدود معيّنة، لمعالجة خسائره، من دون التشبّث بمبدأ الاعتراف بهذا الدين وفق مزاعم الحاكم السابق رياض سلامة.
الاجتماع مع جمعيّة المصارف
من جهة أخرى، حصلت "المدن" على بعض التفاصيل التي جرى تناولها في اجتماع وزير الماليّة ياسين جابر مع وفد جمعيّة المصارف، يوم أمس الأربعاء. حيث عرض جابر بعض المقاربات التي تعمل عليها الوزارة في الوقت الراهن، لمعالجة الفجوة الماليّة في القطاع المصرفي.
وبحسب المصادر، تم التأكيد على أنّ الوزارة لم تنكر وجود بُعد نظامي في الأزمة المصرفيّة القائمة اليوم، بمعنى وجود خلل شامل طال مختلف أنحاء النظام المالي. وهذا ما يفترض أخذه بعين الاعتبار، عند وضع المعالجات التي تهدف إلى التدرّج في تسديد الودائع خلال الفترة المقبلة. غير أنّ مفهوم الأزمة النظاميّة لا يعني إعفاء أي مصرف من المسؤوليّة المدنيّة، في حال ثبت وجود مخالفات أو تجاوزت معيّنة، بما يتّصل بأسباب الأزمة نفسها.
وانطلاقاً من هذه النقطة، تبيّن أنّ الوزارة تبدي بعض المرونة، لجهة إمكانيّة عدم شطب مساهمات أصحاب المصارف دفعة واحدة، وذلك بهدف عدم "تصفير" رساميل القطاع وأمواله الخاصّة. لكن في المقابل، ترى الوزارة ضرورة تضمين قانون الفجوة الماليّة مبدأ التدقيق في الأرقام، بهدف كشف "الشوائب" التي انطوت عليها عمليّات المصارف قبل العام 2019، والتي ساهمت بزيادات معيّنة في أرباح المصارف وأموالها الخاصّة. وترى الوزارة أنّ مبدأ التدقيق يمكن أن يفرز المصارف، بحسب درجة انغماسها في هذا النوع من العمليّات التي ساهمت في تراكم خسائر مصرف لبنان.
وبهذا المعنى، ترى الوزارة أن قانون الفجوة الماليّة يمكن أن يعالج الخسائر الموجودة في القطاع على مستويين:
أولاً، التدقيق في الشوائب الموجودة في الودائع، وهذا ما يعني فرز الودائع غير المشروعة، وتلك التي انطوت على مكاسب غير عادلة، مثل الأموال الناتجة عن شراء الدولارات المصرفيّة بسعر الصرف الرسمي بعد الأزمة أو تجارة الشيكات وغيرها.
ثانيا، التدقيق في الشوائب الموجودة في الأموال الخاصّة للمصارف، أي حصص ومساهمات أصحابها، كتلك التي تم تحقيقها من الهندسات والعمليّات الاستثنائيّة خلال حقبة الحاكم السابق رياض سلامة.
وترى الوزارة أنّ هذه المقاربة تصب في مصلحة القطاع المصرفي بشكل عام، لكونها تحول دون "شطب" أي وديعة مشروعة ومُستحقة، كما توزّع أعباء إعادة الرسملة بحسب معايير عادلة وواضحة. وهكذا، بعد وضع هذه المعايير وإجراء التدقيق، يمكن فهم وضعيّة كل مصرف على حدة، بما في ذلك حاجته للرساميل الجديدة.
ورغم وضوح المعايير والمبادئ العامّة التي تم طرحها في اجتماع يوم أمس، أشارت المصادر إلى أنّ الوزارة لم تقدّم بعد تفاصيل المقاربات التي تتحدّث عنها، إذ لم تقدّم مثلاً لائحة كاملة بما تعتبره "شوائب" في الأموال الخاصّة والودائع. وهذا ما يوحي بأنّ الوزارة ستحتاج إلى مزيد من الوقت، لإنهاء مشاوراتها مع مصرف لبنان، قبل إصدار أولى مسودّات مشروع القانون وإحالتها إلى مجلس الوزراء.
المدن