الضريبة المقطوعة على النفايات... إبتزاز للمواطنين واستمرار الأزمة البيئيّة

الضريبة المقطوعة على النفايات... إبتزاز للمواطنين واستمرار الأزمة البيئيّة -- Dec 19 , 2025 14

منذ سنوات، لم تعد النفايات في لبنان مجرّد أزمة طارئة أو مشهداً عابراً في شوارع المدن، اذ تحوّلت إلى جزء من الواقع اليومي، كأنها عنصر ثابت من عناصر الطبيعة، لكنها طبيعة مشوّهة، قبيحة وخطِرة. فالقمامة تتكدّس بلا أفق، بلا نظام، وبلا أي إجابة واضحة عن مصيرها.

تجدر الإشارة هنا، الى ان انفجار مرفأ بيروت عام 2020، لم يدمّر أحياءً وسكاناً فقط، بل أطاح أيضاً ما كان يُفترض أن يكون الركيزة الوحيدة لإدارة النفايات في العاصمة: معمل الفرز والتدوير في الكرنتينا. منذ ذلك اليوم، تتراكم الأسئلة بقدر ما تتجمع النفايات: هل أُعيد بناء هذا المعمل فعلاً؟ هل عاد إلى العمل؟ وإن كان قد رُمِّم، فلماذا لا ينعكس ذلك على واقع الشوارع والمكبات؟

صمّ الآذان "سياسة"!

من زاوية ثانية، في بلد يُفترض أنه يتعامل مع أزمة فضلات مزمنة منذ أكثر من عقد، لا تزال الدولة عاجزة عن الإجابة عن استفسار أساسي: أين تذهب مخلفاتنا؟ وما الذي حلّ بأطنان الركام والنفايات الملوَّثة التي خلّفها الانفجار من جهة، والمهملات المتراصة في كل زاوية من جانب آخر؟ وبين وعود إعادة التأهيل، وأموال دولية صُرفت، وتقارير تقنية غير منشورة للرأي العام، يبقى الواقع واحداً: نفايات في كل مكان، ومعامل غائبة أو معطّلة، وسلطة لا تُحاسَب.

ومع ذلك، يبقى الأخطر أن هذا الغموض لا يقتصر على الإدارة، بل يشمل الصحة العامة والبيئة. مهملات يُشتبه في كونها ملوَّثة، مخزّنة أو منقولة من دون شفافية، وسكان يعيشون قربها من دون أي معلومات حول ما يتنفسونه أو يلامس أرضهم يومياً. في المقابل، لا خطة وطنية واضحة، ولا خارطة طريق معلنة تُظهر كيف ستُدار هذه الأزمة في نهاية 2025 وما بعدها.

معامل التدوير حبر على ورق!

من هذا المنطلق، تفتح "الديار" هذا الملف في كل مرة، لتذكر علّ الذكرى تنفع، ليس فقط للبحث في مصير معامل الرسكلة، بل في نموذج كامل لإدارة النفايات في لبنان: من القرار السياسي، إلى التمويل، إلى التنفيذ، وصولاً إلى الإنسان الذي يدفع الثمن بصحته وبيئته. هنا، لا نطرح سؤال ماذا حدث فقط، بل لماذا لم يتغيّر شيء؟ ومن المسؤول عن إبقاء النفايات واقعاً دائماً لا أزمة مؤقتة؟

في جميع الأحوال، هذا الموضوع ليس جديداً، وليس طارئاً، وليس وليد لحظة إعلامية. في كل مرة نعود لفتحه، نتطرق إليه مع أهل الاختصاص، مع من يعرفون هذا القطاع من الداخل، لا مع من لا شأن لهم به. خبراء، ناشطون، متطوعون وتقنيون يلاحقون أدقّ تفاصيل هذا الملف، من جذوره السياسية والمالية، إلى تشعباته البيئية والصحية.

الخوف يلجم الافواه!

وفي هذا السياق، يكشف أحد المهندسين في المجال البيئي، ومتخصص في تقنيات إدارة النفايات في معمل الناعمة لـ "الديار": "انه رغم كل هذا الجهد، يبقى الكلام وحده غير كافٍ، لأن ما نواجهه ليس نقصاً في المعرفة، بل منظومة متكاملة من الفساد المستشري في قطاع يُفترض أن يكون خدمياً، فإذا به يتحوّل إلى واحد من أغنى القطاعات وأكثرها استباحة، اذ تُدار النفايات كسلعة: تُرمى حيث يسهل رميها، تُحرق حيث يمكن الحرق، تُكدّس في مكبات عشوائية، وتُفكّك لا من أجل المعالجة، بل من أجل البيع وإعادة البيع، أو حتى التصدير خارج لبنان".

ويضيف: "في هذا القطاع "سرقة قدما بدكن"، اذ لا تختفي النفايات فقط، بل تختفي المحاسبة أيضاً. كذلك، المعامل لا تعمل أو لا تُستكمل، مكبات تُنشأ خارج أي إطار قانوني، حرائق تتكرّر بلا مساءلة، وتلوّث يمتد من الهواء إلى الأرض والمياه. يجري كل ذلك في ظل جهات داعمة، مباشرة أو غير مباشرة، لشبكات تستفيد من هذه الفوضى، وتحمي مافيات حوّلت أزمة النفايات إلى استثمار دائم".

ملاحظات بالجملة

في سياق متصل، تلقّت "الديار" العديد من شكاوى مواطنين في عدد من مناطق المتن والبقاع الاوسط، ولا سيما في منطقة مزرعة يشوع، ليتبيّن أن ملف النفايات اعاد البلاد عملياً إلى نقطة الصفر. أزمة تتفاقم بيئياً وصحياً في مختلف المناطق اللبنانية، في ظل غياب أي معالجة فعلية تعكس القرارات المتخذة على الأرض.

وفي هذا الإطار، تقول السيدة آية: "فُرضت ضريبة مقطوعة من البلدية تحت عنوان رفع النفايات، بقرار حكومي جرى تطبيقه من خلال البلديات، من دون أي دراسة واقعية لآلية التنفيذ أو لنتائجه المباشرة. وقد باتت تُجبى بشكل رسمي، فيما الخدمة نفسها بقيت ناقصة، ومشهد النفايات على حاله، إن لم يكن أسوأ".

وتشير الى ان "المفارقة الأبرز أن عدداً كبيراً من المكبات وُضع بعيدا عن محيط الأحياء السكنية، من دون توفير بدائل عملية قريبة أو منظمة. مما يعني ان هذا الواقع يفرض على المواطنين نمطاً قسرياً جديداً في التخلّص من نفاياتهم، إذ بات كثيرون مجبرين على تركها داخل منازلهم لأيام كما افعل انا قبل نقلها لمسافات بعيدة، في ظل انعدام أي حلول مستدامة".

"التحايل مكمّل"!

من جانبها، تعلّق أستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية النائبة نجاة عون صليبا، بالقول: "إن ملف النفايات، شأنه شأن سائر الملفات الأخرى، شكّل باباً لابتزاز أموال الدول المانحة، إذ كانت تُبنى معامل لا تعمل، وتُعتمد استراتيجيات فاشلة، من دون أي محاولة جدية للعمل وفق الأصول، لأن الطريقة الصحيحة لا تدرّ عليهم الأموال".

وتكشف لـ "الديار": "تُجري الدول المانحة حالياً تحقيقاً كبيراً جداً، ولا سيما في الفضائح التي حصلت في طرابلس، لناحية إنشاء المعامل وإعادة تكسير المعدات داخلها في اليوم التالي. ويحدث كل ذلك لتبرير طلب المزيد من الأموال، وإقناع المجتمع بأنهم يعملون وفق استراتيجيات تتعلّق بإدارة النفايات بشكل عام. أمّا العودة دائما إلى نقطة الصفر، فهي خطة معتمدة للحفاظ على وجود ذرائع مستمرة، تتيح لهم الاستمرار في الحصول على الأموال".

الفساد متوارث

وتؤكد: "لا توجد أي مخططات لمنع تفاقم المخاطر، وهذه المسألة واضحة، إذ لا يُحاسَب أحد على رمي النفايات في الأنهار أو على ضفافها أو في البحر، بل إن هذا السلوك يُشجَّع، لا سيما أن هذه السلطة داعمة لمشاريع من هذا النوع، التي تضر بالبيئة وبالثروة السمكية، وتلحق الأذى بكل ما نملكه، وبأجمل ما لدينا، وهو الشاطئ اللبناني".

وعن فرض ضريبة مقطوعة على المواطنين لرفع النفايات، وغياب الحاويات من محيط الأحياء السكنية، تقول صليبا: "الرسوم تشكّل وسيلة ثانية لابتزاز المواطن بعد نفاد خيار الدول المانحة، إذ تُفرض من دون استراتيجية متكاملة لإدارة النفايات. وبذلك يحصلون على الأموال من المواطنين، لكنهم سيبقون عالقين في المشكلات نفسها التي أدّت إلى تفاقم هذا القطاع. وبالتالي، إذا لم تكن هناك رؤية طويلة الأمد، فلن نتمكن من العمل".

ندى عبد الرزاق - الديار

أقرأ أيضاَ

لا تسجيل لهذه الفئة من السيارات.. ماذا يجري في النافعة ومرفأ بيروت؟

أقرأ أيضاَ

بعد عقود من الهدر: هل ينقذ القطاع الخاص قطاع الكهرباء في لبنان؟