التعريفات الجمركية.. أزمة غير متوقعة قلبت النظام المالي -- Apr 10 , 2025 23
المصدر:
بلومبرغ
لم يكن هذا ما يدور في أذهان الممولين العالميين حين راهنوا على عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية.
فبعد أقل من 100 يوم على تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامها، بدأ المصرفيون من وول ستريت إلى حي بودونغ في شنغهاي، وصولاً إلى مدينة لندن، يستعدون لاحتمالية مواجهة قروض متعثرة وصفقات مُلغاة ورسوم مفقودة، بل وربما حتى تهديدات تطال وظائفهم.
يأتي ذلك في ظل حالة الشلل التام التي أصابت أسواق الائتمان، وسحب صفقات الاندماج والاكتتابات الأولية وسط مخاوف من ركود اقتصادي وشيك.
تهاوت أسهم البنوك الأميركية الكبرى جميعها بما لا يقل عن 12% هذا الشهر، وسط مخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود، وما قد يترتب عليه من خسائر في القروض وتراجع إيرادات التداول.
أما في أوروبا، تكمن المشكلة الرئيسية في احتمالية الحاجة لتخصيص أموال إضافية لتغطية القروض المتعثرة. وتضم قائمة البنوك الأوروبية الأكثر عرضة للمخاطر "إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings) و"ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered) و"بي إن بي باريبا" (BNP Paribas SA)، بحسب المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس" فيليب ريتشاردز.
الرسوم الجمركية تهز وول ستريت
لم يُخفِ ترمب خلال حملته الانتخابية عزمه الاعتماد على تطبيق زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية ضمن خططه لإصلاح الاقتصاد، إذ صرح لرئيس تحرير "بلومبرغ نيوز" جون ميكلثويت في نوفمبر، بأن هذه الرسوم ستُحدث "تأثيراً ضخماً وإيجابياً".
لكن ما أثار دهشة الكثيرين في وول ستريت وغيرها هو نطاق وحجم الرسم الجمركية المعلنة في قرار 2 أبريل، بالإضافة إلى تكهنات واسعة سبقت القرار بأنها ستُستخدم كأداة تفاوض لا أكثر.
يحاول مديرو صناديق التحوط احتواء الخسائر، بعدما تراجعت صناديق التحوط العالمية ذات الاستراتيجيات الطويلة والقصيرة لدى "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group) بنسبة 4.7% خلال يومين فقط حتى يوم الجمعة، وهي نتيجة أعقبت أكبر موجة بيع شهدها وسطاء الشركة في تاريخهم ضمن أسواق الأسهم العالمية.
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور بهذا الشكل بالنسبة لشركات وول ستريت، التي كانت تتوقع انتعاش نشاط إبرام الصفقات، ما دفع بأسهم البنوك إلى الارتفاع بعد فوز ترمب في انتخابات نوفمبر.
والآن، تعلق تلك الشركات صفقات تقدر بمليارات الدولارات، ما دفع كلاً من "جيه بي مورغان تشيس آند كو" (JPMorgan Chase & Co.) و"غولدمان ساكس" و"بنك أوف أميركا" (Bank of America) إلى النظر في خفض توقعاتها الداخلية للإيرادات من أعمالها الاستشارية، مع احتمال تسريح موظفين خلال النصف الثاني من العام إذا لم تتحسن الأوضاع.
سياسات ترمب... فوضى متوقعة
قال ستيفن فاين، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار البريطاني "بيل هانت" (Peel Hunt): "نحن أمام زعيم يتسم بالتقلب المتوقع في العالم الحر، والذي أقدم على خطوة كانت مُعلنة ومتوقعة، لكنه نفذها بطريقة عشوائية وغير مسبوقة، وبحجم وانتشار يفوق كل التقديرات.. هذه هي أوراق اللعب التي حصلنا عليها، وعلينا الآن التعامل معها".
هذا يشمل أيضاً احتمال أن يكون الركود الاقتصادي قد بدأ فعلياً. هذا ما يقوله عدد من الرؤساء التنفيذيين إلى لاري فينك، رئيس "بلاك روك" (BlackRock)، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، والذي طرح هذه النظرة المتشائمة يوم الإثنين خلال كلمته أمام النادي الاقتصادي في نيويورك.
وفي أروقة وول ستريت، يسود شعور بالدهشة من تراجع تأثيرها على الرئيس الأميركي ومؤيديه من حملة "اجعل أميركا عظيمة مجدداً"، وذلك في وقت تُهيمن فيه شريحة صغيرة من المستثمرين الأميركيين على السوق، حيث يمتلك أعلى 10% منهم الحصة الأكبر من الأسهم.
لم تجلب معاناة وول ستريت أي دعم يُذكر من جانب بيسنت، مدير صندوق التحوط السابق ووزير الخزانة الحالي. ففي مقابلة مع تاكر كارلسون عقب اضطرابات الأسبوع الماضي، قال بيسنت إن "ما يحدث في السوق، برأيي أنه يتعلق أكثر بمشكلة العظماء السبعة (في إشارة إلى مجموعة الأسهم الكبرى المتركزة في قطاع التكنولوجيا)، وليس بحملة اجعل أميركا عظيمة مجدداً". كما قلل من شأن الخسائر التي قاربت 10 تريليونات دولار، معتبراً أنها بالكاد ستظهر على الرسم البياني على المدى الطويل.
تصدع في مواقف داعمي ترمب
مع ذلك، بدأت موجة البيع المكثفة في الأسواق تثير أصوات المعارضة من مسؤولين تنفيذيين داخل وول ستريت، بمن فيهم عدد من مؤيدي ترمب. فقد وصف بيل أكمان، من شركة "بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت" (Pershing Square Capital Management)، في منشور عبر منصة "إكس" (X)، النظام التجاري الجديد للإدارة الأميركية بأنه "خطأ". وطالب بتعليقه لمدة 90 يوماً لإعادة النظر في "الوضع التجاري العالمي غير العادل تاريخياً" للولايات المتحدة.
وردد كين غريفين، الملياردير ومؤسس شركة "سيتاديل" (Citadel)، تصريحات أكمان، واصفاً الرسوم الجمركية بأنها "خطأ سياسي فادح"، من شأنه أن يفرض عبئاً ضريبياً على الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
بدوره، أكد مدير الاستثمار ستانلي دراكنميلر أنه كان "واضحاً تماماً" في رفضه القاطع لأي رسوم جمركية تتجاوز 10%.
وفي السياق ذاته، حذر جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان"، والذي لم يُعلن تأييده لترمب، من تفكك "كارثي" محتمل للتحالفات الاقتصادية طويلة الأمد للولايات المتحدة، داعياً إلى إيجاد حل سريع لحالة الضبابية التي تخيم على المشهد.
كما يشعر كبار المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت، ممن دعموا ترمب أو تحمسوا لرئاسته، بالدهشة تجاه سبب مجازفته بحرب تجارية، بحسب توم غلوسر، العضو المستقل الرئيسي في مجلس إدارة "مورغان ستانلي".
قال غلوسر إن "هذه المجموعة، التي اعتادت أن تكون ضمن الدائرة المقربة، والعمل بوعي للحفاظ على نفوذها وتأثيرها، أصيبت بالذهول والدهشة، وفي النهاية بخيبة أمل كبيرة، حين أدركت أنه في القضية التي تُهدد بدفع العالم نحو الركود، لن يكون لها أي تأثير يُذكر".
تقلبات الأسواق تهدد الوظائف
في قلب القطاع المالي، كانت صناديق التحوط تعمل على تقليص مستوى المخاطر مع اقتراب شهر أبريل، ولم تُسجل حتى الآن موجات بيع بدافع الذعر، وفقاً لما قاله شخص مطلع على الصناعة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لمناقشة معلومات خاصة.
في المقابل، يرى بعض القادة، من بينهم فينك من "بلاك روك"، أن هذه المرحلة قد تُشكل فرصة مناسبة للشراء.
وبالرغم من أن شركة "سيتاديل" التابعة للملياردير غريفين كانت من بين صناديق التحوط التي تكبدت خسائر خلال الربع الأول من العام، إلا أن غريفين شجع فرقه لاحقاً على اغتنام الاضطرابات، وحثهم على "اللعب بأسلوب هجومي".
ومن جهته، قال أكمان في منشوره إن صندوقه والمستثمرين فيه سيكونون "مشترين لشركات كبرى بأسعار مخفضة للغاية".
شهدت أسهم القطاع المالي واحدة من أكبر موجات البيع من جانب مديري الأصول عقب إعلان الرسوم الجمركية الأسبوع الماضي، وفقاً لما أفاد به جون فلود، الشريك والمتخصص في التداول لدى "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs).
غير أن الصورة تبدو أكثر دقة بالنسبة للبنوك الاستثمارية الكبرى، حيث غالباً ما تستفيد أذرع التداول لديها من فترات التقلبات الشديدة، مع اتجاه العملاء إلى استراتيجيات التحوط واتباع استراتيجيات متنوعة. وبحسب فلود، فقد سجل نشاط قسم التداول لدى "غولدمان ساكس" يوم الخميس تقييماً بلغ "9.5 من 10".
وكانت "سيتي غروب" (Citigroup) قد أعلنت الشهر الماضي عن ارتفاع إيرادات التداول خلال الربع الأول بنسبة تقع في منتصف خانة الآحاد. وفي المقابل، صرحت جينيفر بيبسزاك، الرئيسة التنفيذية للعمليات لدى "جيه بي مورغان"، خلال فبراير أن إيرادات التداول والخدمات المصرفية الاستثمارية قد تسجل نمواً يفوق 10%.
لكن ذلك كان قبل أن تُبدد حالة عدم اليقين السائدة في واشنطن الآمال بانتعاش نشاط الصفقات والعمولات، وتُثير في الوقت ذاته مخاوف من تخفيضات محتملة في الوظائف.
حتى قبل هذا الأسبوع، بدأت مجموعة "يو بي إس غروب" (UBS Group AG) فعلياً بالطلب من كبار المصرفيين الاستثماريين إعداد قوائم بأسماء موظفين قد تشملهم إجراءات تقليص الوظائف، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة معلومات غير معلنة.
ضغوط سياسية لكبح التصعيد التجاري
رغم تمسك كل من بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، والمستشار الكبير بيتر نافارو، بموقف ترمب بشأن الرسوم الجمركية، بدأت ملامح المعارضة تتبلور من خارج أوساط وول ستريت.
من بين هذه الأصوات، السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز، الذي حذر الأسبوع الماضي من احتمال حدوث "إراقة دماء" في انتخابات التجديد النصفي في العام المقبل.
ويوم الإثنين، دعا كروز ترمب إلى الإصغاء لرأي إيلون ماسك، الملياردير والمؤسس المشارك لشركة "تسلا"، الذي أعرب خلال عطلة نهاية الأسبوع عن أمله في إنشاء "منطقة تجارة حرة" بين الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع ذلك، قدم تقرير كاذب، زعم أن ترمب يدرس تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، لمحة واقعية يوم الإثنين أيضاً عن مدى قوة هذا القرار. ففي غضون دقائق، قفزت سوق الأسهم من خسائر بنسبة 4% إلى مكاسب بلغت 3%، قبل أن تعاود الهبوط مجدداً بعد أن أعلن البيت الأبيض أن إنهاء الحرب التجارية ليس وشيكاً حالياً، ثم ترتفع مع إعلان القرار.