كيف تحولت الولايات المتحدة إلى "المفترس الأعلى" في التجارة؟

كيف تحولت الولايات المتحدة إلى "المفترس الأعلى" في التجارة؟ -- Jul 31 , 2025 296

المصدر:بلومبرغ

بالنسبة لمنطقة يُشاد بها في الأغلب بصفتها تمثل مستقبل الاقتصاد العالمي، كانت التجربة مخيبة للآمال. تقبل الزعماء الآسيويون، واحداً تلو الآخر، على مضض اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة تُعد أفضل قليلاً مما كان متوقعاً قبل أشهر، لكنها تنطوي على جانب عقابي أكبر مما كانت عليه قبل عقود عندما راهنوا على دخول السوق الأميركية باعتباره استراتيجية للتنمية.

لا بد أن العصر الذهبي لسلاسل الإمداد يبدو شبيهاً بعصر ما قبل التاريخ بالنسبة للدول التي اصطفت لتذعن لمطالب البيت الأبيض بشأن الرسوم الجمركية. وبلا شك، يشكل ذلك عودةً إلى حقبة سابقة أقل ازدهاراً، إذ وصل المستوى الإجمالي للرسوم الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوياته منذ الثلاثينيات، بحسب "بلومبرغ إيكونوميكس".

أصر رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في السابق على أنه لن يقبل بفرض الرسوم الجمركية أبداً، بالأخص على السيارات، لكنه انتهى إلى إمكانية تقبله لرسوم بنسبة 15%. ومن جهتها، قالت أعلى مسؤولة في الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، الأحد إن نسبة 15% التي اتفق عليها الاتحاد مع الرئيس دونالد ترمب كانت أفضل ما أمكنها التوصل إليه.

أما الاقتصادات الكبرى التي لم تبرم اتفاقاً بعد، مثل كوريا الجنوبية والهند، فتخاطر بمواجهة شروط أكثر إجحافاً مقارنةً بمن فضلوا مسايرة الأوضاع بالفعل.

الولايات المتحدة "المفترس الأعلى"
يطالب ترمب بإثبات الانصياع، ويحصل عليه وبطرق مهمة. تتربع الولايات المتحدة على قمة سلسلة الغذاء التجاري، ولا تزال تُعد الاقتصاد الأول في العالم بفارق كبير عن غيرها. قد لا تُنعش الرسوم الجمركية مجتمعات الطبقة العاملة التي يزعم ترمب الدفاع عنها، لكن بوسعه تقديم عرض مُرضٍ عاطفياً. 

الدول التي أذعنت تخلصت من ضغوط ترمب، وتأمل أن يتحسن وضعها في عهد الرئيس المقبل. 

ومن هذا المنطلق، من المفيد التفكير وفق مفهوم "المفترسات العليا"، التي تتربع على قمة سلسلة الغذاء الطبيعي وبإمكانها "افتراس" الأطراف الأصغر منها، بحسب ديمتري غروزوبينسكي، المفاوض التجاري الأسترالي السابق، الذي قال لي "إنهم يدفعون ما يشبه الإتاوات إلى حد كبير".

الاتفاقات لا تقي من التبعات
يبدو أن فرض رسوم جمركية بنحو 20% أصبح المعيار لدول جنوب شرق آسيا، استناداً إلى الاتفاقات التي أُعلن عنها مع الفلبين وإندونيسيا وفيتنام. وفي حالة جاكرتا وهانوي، فقد نجحتا في التفاوض مع الولايات المتحدة على خفض الرسوم الجمركية عن مستويات أعلى مما أُنذر به في أبريل، لكن سيلحق بهما الضرر رغم ذلك.

فبعدما تحولت فيتنام إلى مركز حيوي للتصدير، ربما تنخفض صادراتها إلى الولايات المتحدة بمقدار الثلث. تُعد الجهود الرامية إلى الضغط على الصين سمة مميزة للاتفاقات، إذ تسعى واشنطن إلى الحد من قدرة الشركات الصينية على تحويل مسار المنتجات عبر دول ثالثة. بينما يبدو أن الفلبين تتعرض للإهانة؛ فالرسوم المفروضة على السلع والبضائع التي يصدرها الأرخبيل أقل بنسبة طفيفة من المستوى الذي أعلنه ترمب منذ أسابيع قليلة.

هناك الكثير من التفاصيل التي لم تحسم بعد، ولم تيأس الدول من محاولة الاتفاق على شروط أفضل. أما القاسم المشترك، بخلاف إبرام ما يعتبر اتفاقاً، هو السماح لترمب بقدر من الأداء المسرحي الذي يتوق إليه. فالإشادة بالاتفاقات وساكن البيت الأبيض مطلوبة.

أضرار المواجهة جسيمة
ربما يمكن الحصول على اتفاق أفضل قليلاً عندما ينصب الاهتمام على دولة أخرى. أوضح الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور أنه لم ييأس بعد، وقبيل اجتماعه مع ترمب بالبيت الأبيض في الآونة الأخيرة، أولى فريقه أهمية كبيرة للعلاقات التاريخية الوطيدة بين الدولتين، فالفلبين كانت مستعمرة أميركية، كما أنها تحتك بسفن صينية بشكل دوري في بحر الصين الجنوبي.

ظاهر الأمر أن مانيلا حصلت على مكاسب ضئيلة من الاتفاق، وأفضل فرصة أمام ماركوس هي العمل مع المفاوضين بينما ينتقل ترمب إلى شؤون أخرى. وقد ألمح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى ذلك بقوله إن من المحتمل أن يتضمن الاتفاق عنصراً عسكرياً.

قال غروزوبينسكي، مؤلف كتاب "لماذا يكذب الساسة عن التجارة" (Why Politicians Lie about Trade): "بات الذئب عند أبواب الآخرين. المهانة أقل ضرراً من المواجهة".

تكلفة باهظة للوصول إلى السوق الأميركية
في المقابل، حصل النظراء على قدر من الوضوح حول تكلفة الدخول إلى الولايات المتحدة، وهو عنصر حيوي في المنافسة على الاستثمار الأجنبي المباشر.

يمكن اعتبار النجاة انتصاراً من نوع ما، ففي حالة فيتنام، على سبيل المثال، لا تزال البلد قادرة على المنافسة بدرجة ما في ظل فرض رسوم بنسبة 20%. سيكون لذلك تبعاته، لكن الأرجح أنها لا تكفي لدفع أي مُنتِج إلى نقل نشاطه بالكامل إلى دولة أخرى. ربما يستحق استمرار الوصول إلى العملاء الأميركيين كل هذا العناء.

توقعت الإدارة الأميركية هذه المعادلة قبل "يوم التحرير". وقال ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لترمب، لتلفزيون "بلومبرغ" في مارس، إنه لا خيار آخر أمام الدول إلا بيع منتجاتها إلى الولايات المتحدة، وأنها ستدفع ثمناً كبيراً للحفاظ على هذه الميزة.

ترقب للمحادثات مع الصين
سيحين دور سيؤول ونيودلهي تالياً. ويقترح المسؤولون الكوريون إبرام شراكة في بناء السفن باعتبارها جزءاً من اتفاق محتمل.

أما المحادثات الجارية مع الصين في السويد، فهي أمر مختلف تماماً. يكمن الأمل في ألا يتضرر الاقتصاد العالمي بشكل أكبر مما يجب. والسؤال الذي سيطرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ هو ما إذا كانت المواجهة جديرة بالعناء، وإلى مدى يمكن لاقتصاده الصمود. لذا، ستكون مشاهدة الوثائقي الذي يقدمه ديفيد أتينبورو عن هذا الموضوع ضرورياً.

أقرأ أيضاَ

ماذا حدث لأسواق إيران وإسرائيل بعد حرب الـ12 يوما؟

أقرأ أيضاَ

ترامب يعلن عن اتفاق تجاري شامل مع كوريا الجنوبية بقيمة 450 مليار دولار