هل يبدأ السباق الحقيقي للذهب الآن؟

هل يبدأ السباق الحقيقي للذهب الآن؟ -- Apr 23 , 2025 4

سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً قياسياً جديداً، حيث لامس المعدن الأصفر مستوى 3500 دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخه، قبل أن يرتد قليلاً في حركة تصحيحية طبيعية بعد مكاسب قويةفيتراجع إلى حدود الـ3,300 دولار للأونصة. وقد ارتفع سعر الذهب بنسبة 19% خلال الربع الأول من عام 2025، وهو أفضل أداء ربع سنوي له منذ ما يقارب أربعة عقود، بينما سجل مكاسب تجاوزت 32% منذ بداية العام، ما يعكس إقبالاً متزايداً على الذهب كملاذ آمن في ظل تصاعد المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية.


المحركات الأساسية للارتفاع
جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بعدة عوامل متشابكة. في مقدمتها، تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة وهجومه العلني على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. ترامب اتهم باول بالتباطؤ في الاستجابة الاقتصادية، محذراً من أن الاقتصاد الأميركي سيتباطأ ما لم يتم خفض أسعار الفائدة بشكل فوري. هذه التصريحات المثيرة، إلى جانب حالة عدم اليقين السياسي، أثارت قلق الأسواق حول استقلالية الفيدرالي وساهمت في تراجع حاد لمؤشر الدولار الأميركي، الذي هبط إلى 97.78، وهو أدنى مستوياته منذ عام 2022.

وفي ظل هذه التطورات، يتزايد رهان الأسواق على مزيد من التيسير النقدي من قبل الفيدرالي. إذ تُسعّر الأسواق حالياً احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في حزيران /يونيو المقبل، مع توقعات بثلاثة تخفيضات أخرى خلال عام 2025. هذا التراجع في عوائد الدولار يعزز من جاذبية الذهب كأصل لا يدر عائداً.

تدفقات ضخمة إلى صناديق الذهب
في انعكاس مباشر للزخم القوي في السوق، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب (ETFs) تدفقات استثنائية بلغت 226.5 طناً مترياً، بقيمة إجمالية وصلت إلى 21.1 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2025. ويُعد هذا أعلى تدفق ربع سنوي منذ بداية حرب روسيا وأوكرانيا في الربع الأول من عام 2022. وقد ارتفعت حيازات هذه الصناديق بنسبة 3% لتصل إلى 3445,3 طناً، وهو أعلى مستوى لها منذ أيار /مايو 2023، مع نمو سنوي قدره 10% مقارنة بعام 2024.


العين على عوائد سندات الخزانة الأميركية
لقد كانت الانعكاسات المباشرة والواضحة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتصعيد في التعريفات الجمركية، جلية في التراجعات الحادة التي شهدتها الأسواق المالية الأميركية. فقد هبطت مؤشرات الأسهم، وعلى رأسها مؤشر ناسداك، بشكل ملحوظ،بأكثر من 17% منذ بداية عام 2025, في دلالة واضحة على تنامي حالة الخوف وعدم اليقين لدى المستثمرين تجاه مستقبل الاقتصاد الأميركي والدولار الأميركي على حد سواء.

هذا التراجع دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة، فشهدنا تدفقات قوية نحو أصول مثل الين الياباني، الفرنك السويسري، وبشكل خاص الذهب، الذي استفاد بشكل لافت خلال هذه الفترة. اللافت أيضاً أن سندات الخزانة الأميركية، والتي تُعد تقليدياً من أبرز الملاذات الآمنة في أوقات التوتر، لم تلقَ نفس الإقبال، بل على العكس، ارتفعت عوائدها بشكل كبير. هذا الارتفاع قد يكون نتيجة لبيع واسع النطاق، أو ربما لتدخلات خارجية، كما أظهرت بعض التقارير الأخيرة التي ألمحت إلى احتمال لعب الصين دوراً في هذا التحرك.

هذه التطورات عززت من حالة عدم اليقين في الأسواق، وعمّقت من مشاعر القلق لدى المستثمرين، ما يدفعنا إلى التأكيد على أن الذهب هو المستفيد الأكبر في ظل هذه الظروف، كونه لا يرتبط بعوائد ولا يتأثر مباشرة بسياسات البنوك المركزية، بل يرتكز في جاذبيته على غياب الثقة والاستقرار في الأسواق العالمية.


عوامل قد تُبطئ الزخم الصعودي
على الرغم من الزخم القوي الذي يشهده الذهب، هناك مجموعة من العوامل التي قد تُهدئ من وتيرة هذا الارتفاع في المرحلة المقبلة. استقرار الأسواق المالية وعودة الثقة إلى سوق الأسهم، لاسيما مع تحسن أداء مؤشرات التكنولوجيا مثل ناسداك، قد يقلل من الإقبال على الذهب كملاذ آمن. كما أن أي تعافٍ محتمل في الدولار الأميركي، مدفوعاً بتحسن البيانات الاقتصادية أو تراجع المخاطر السياسية، من شأنه أن يضغط على الأسعار نظراً للعلاقة العكسية بين الطرفين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع حدة التوترات الجيوسياسية أو توقف البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الصين، عن شراء الذهب قد يسحب أحد أبرز مصادر الدعم. كذلك، يشكل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية تحدياً أمام الذهب، إذ يزيد من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بأصل لا يدر عائداً. ولا يمكن إغفال أن المستثمرين قد يقدمون على جني الأرباح بعد موجة المكاسب الكبيرة، وهو ما قد يساهم في تهدئة مؤقتة للمسار الصاعد.

لتكوين رؤية أوضح حول اتجاهات الذهب في الفترة المقبلة، لا بد من متابعة جملة من العوامل المؤثرة. من أبرزها حركة التدفقات إلى صناديق المؤشرات المتداولة، والتي تُعد مرآة لمعنويات المستثمرين الأفراد والمؤسسات. كما أن مستويات الشراء من قبل البنوك المركزية، لا سيما الصين التي لا تزال تمتلك حصة متواضعة من احتياطياتها بالذهب، تبقى عاملاً حاسماً في تحديد الطلب المؤسسي.


قوة الدولار الأميركي تمثل عامل ضغط مباشر على الذهب، فيما تعكس تقلبات سوق الأسهم حجم التوترات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تعيد إشعال الطلب على المعدن النفيس. وتُعد التحديثات الصادرة عن بيوت التحليل والاستثمار الكبرى بخصوص توقعات أسعار الذهب، مؤشراً إضافياً على توجهات السيولة المؤسسية. أما اتساع الفجوة بين تكلفة إنتاج الذهب وسعره في السوق، فيُعزز من ربحية شركات التعدين، ويدفع بالمزيد من الاستثمارات نحو هذا القطاع الحيوي.

ميشال صليبي- النهار

أقرأ أيضاَ

أسهم تسلا تقفز 6.5% بعد إعلان ماسك تقليص عمله مع ترامب

أقرأ أيضاَ

ترامب يُفكّر في خفض الرسوم الجمركية على الصين بشكل كبير