تعويضات نهاية الخدمة: أزمة بلا نهاية... والموظف الخاسر الأكبر

تعويضات نهاية الخدمة: أزمة بلا نهاية... والموظف الخاسر الأكبر -- Jun 26 , 2025 8

رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الانهيار المالي والاقتصادي الذي ضرب لبنان، لا تزال تعويضات نهاية الخدمة عالقة في متاهة الغموض والإجحاف. فبالنسبة إلى آلاف الموظفين الذين تقاضوا تعويضاتهم بين عامي 2019 و2023، تحوّلت تلك المستحقات من مصدر أمان اقتصادي إلى خسارة فادحة التهمها انهيار قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية. وفي ظل غياب أي مسار واضح للتصحيح، بقي الملف أسير التجاذب السياسي والجمود التشريعي.


أصحاب العمل لا يدفعون التسويات
تشكّل التسويات المحور الأساسي لصرف تعويضات نهاية الخدمة، وهي عملية تكميلية لتغطية الفرق بين الاشتراكات المدفوعة خلال سنوات الخدمة وبين القيمة الفعلية للتعويض المستحق عند انتهاء العمل. لكن بحسب المدير الفني في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رشا جعفر، فإن العديد من أصحاب العمل يمتنعون عن دفع هذه التسويات، خصوصاً عندما تكون قيمتها مرتفعة نتيجة فروقات سعر الصرف.
في كثير من الحالات، يعمد أصحاب العمل إلى رفع دعاوى ضد الضمان، بحجة وجود أخطاء في احتساب التعويض، مستندين إلى المادة 18 من قانون الموازنة العامة، التي حدّدت سعر صرف الدولار 15 ألف ليرة حتى نهاية آذار 2023، و89500 ليرة اعتبارًا من بداية عام 2024. إلا أن هذه الآلية مؤقتة، وتنتظر صدور قانون خاص لتحديد طريقة احتساب جديدة.
ورغم تكرار المطالبات بتعديل طريقة الاحتساب بما يعكس التغيّرات الاقتصادية، تؤكد جعفر في حديثها إلى "المدن" أن الصندوق مضطر حالياً إلى الالتزام بالقوانين النافذة، وتحديداً المادة 50 من قانون الضمان، التي تنصّ على احتساب تعويض نهاية الخدمة على أساس الأجر الأخير، إضافة إلى فوائد الاشتراكات المدفوعة طوال فترة العمل.

نزاع قضائي.. والتوقف عن الدفع
تتمثل إحدى أبرز الإشكاليات في لجوء عدد من أصحاب العمل إلى ما يُعرف بـ"النزاع القضائي"، حيث يقدّمون اعتراضاً رسمياً ضد الصندوق لوقف تنفيذ التسوية. وفي حال تسجيل الدعوى، يُمنع الصندوق من صرف أي مبلغ حتى صدور حكم نهائي من القضاء.

 

وتوضح جعفر أن النزاع يجمّد الإجراءات، ويُدخل الملف في مسار طويل ومعقد، داعية إلى تسوية مالية مباشرة تجنّب العمال ضياع الحقوق. وتؤكد أن الضمان لا يزال قادرًا على الدفع في الملفات غير الخاضعة لاعتراض، مشيرة إلى أن أي شكوى من الأجير تُحال إلى التفتيش لتحديد الكسب الفعلي ومن ثم احتساب التعويض.

تمويل تعويضات نهاية الخدمة
تقوم آلية تمويل تعويضات نهاية الخدمة على اقتطاع نسبة 8.5 في المئة من الأجر شهريًا من قبل أصحاب العمل، وتُسجّل ضمن فرع خاص في الصندوق. لكن مع تدهور قيمة الليرة، لم تعد هذه الاقتطاعات كافية لتغطية فروقات التعويض، خصوصًا أن الرواتب المصرّح عنها لا تعكس غالبًا الراتب الفعلي.
وتشرح جعفر أن هذا الخلل يبرز عند احتساب مبلغ التسوية، الذي يمثل الفرق بين الاشتراكات المحصلة وقيمة التعويض النهائية. وفي حال تأخر صاحب العمل عن الدفع ضمن المهلة القانونية (30 يومًا)، يُحال الملف إلى مصلحة القضايا، ويتم اللجوء إلى الحجز التنفيذي.

ومن أبرز أسباب النزاع، عدم التصريح عن الأجور الحقيقية، ما يدفع الأجراء إلى الاعتراض على قيمة تعويضهم. وفي هذه الحالة، يجري مفتشو الصندوق التحقيق لضمان احتساب التعويض على أساس الكسب الفعلي.

تعويضات 2019-2023
أما بالنسبة للموظفين الذين تقاضوا تعويضاتهم بين عامي 2019 و2023، فتصفهم جعفر بأنهم الفئة الأكثر تضرراً. فرغم تقاضيهم تعويضات صُرفت وفق قوانين سابقة، إلا أن انهيار الليرة أدى إلى فقدانها لقيمتها الفعلية.
وتؤكد جعفر أن الصندوق لا يمكنه إعادة احتساب هذه التعويضات أو تعديل قيمتها ما لم تصدر تشريعات جديدة بهذا الخصوص، لافتة إلى أن الأموال المُدارة هي أموال عامة تخضع لنظام صارم. وأي تغيير في طريقة الاحتساب يحتاج إلى قانون أو مرسوم تنفيذي ملزم.

من جهته، يقول نائب رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان نبيل فهد، إن عدداً من المؤسسات التي دفعت تعويضات موظفيها خلال تلك السنوات تجد نفسها اليوم مطالبة بالدفع مجددًا، رغم أن الأموال التي دُفعت سابقًا قد تبخرت بفعل الأزمة. ويرى فهد أن تحميل الشركات هذه الأعباء مجددًا غير منصف، كما أن الموظفين خسروا حقوقهم نتيجة تقاضي تعويضاتهم بالليرة المتدهورة.


مقترحات بلا حلول
خلال السنوات الماضية، طُرحت عدة حلول مؤقتة أبرزها اقتراح النائب فيصل كرامي باحتساب 50 في المئة من قيمة التعويضات القديمة على أساس سعر صرف يبلغ 45 ألف ليرة للدولار، يتم تمويل نصفها من الدولة والنصف الآخر من أصحاب العمل. لكن المشروع سُحب بعد اعتراض الاتحاد العمالي العام، الذي اعتبره غير منصف للأجراء.
في المقابل، اقترح فهد خطة تمويل عبر قرض من البنك الدولي يُستخدم لتسوية التعويضات، على أن يُمنح أصحاب العمل فترة تقسيط طويلة لإعادة تكوين المؤونات، ما يضمن حقوق الموظف دون الإضرار بالقدرة التشغيلية للمؤسسات.

الشركات مهددة بالإفلاس المحاسبي
ويحذر فهد من أن العديد من الشركات تسجّل التزامات نهاية الخدمة دون تغطية فعلية لها، ما يُظهرها مفلسة محاسبيًا رغم استمرار نشاطها التجاري. ويرى أن الحل يكمن في مقاربة شاملة تحفظ حقوق العمال وتمنع انهيار المؤسسات.
ويؤكد أن تحميل طرف واحد كامل كلفة الأزمة ليس حلاً مستدامًا، بل المطلوب شراكة بين الدولة والقطاع الخاص لإعادة التوازن إلى نظام الضمان.

عراقيل تشريعية
على الصعيد التشريعي، عُقدت خمس جلسات في لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية برئاسة النائب بلال عبدالله، بمشاركة مختلف الأطراف، بما فيها منظمة العمل الدولية، دون التوصّل إلى حل نهائي.


ويقول عبدالله في حديث إلى "المدن" إن اللجنة توصّلت إلى اقتراح بتعويض نصف المستحقات على أساس سعر صرف 45 ألف ليرة، تتقاسم تكلفته الدولة وأصحاب العمل، لكنه لم يُعرض بعد على لجنة المال والموازنة، ولا يزال بعيدًا عن إقراره كقانون.

ويشير إلى أن الحل الجذري يبقى في تطبيق نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي أُقرّ في تشرين الثاني الماضي، لكنه لم يُفعّل بعد بانتظار المراسيم التطبيقية. وهذا النظام، بحسب عبدالله، لا يشمل من تقاضوا تعويضاتهم في السنوات الماضية.
بالمحصلة تتراوح الحلول المطروحة اليوم بين تسويات مؤقتة، وتمويل خارجي، ونظام تقاعد بديل، لكن أيًّا منها لم يُقرّ بعد بشكل نهائي. وبين التعقيدات القانونية والعوائق التشريعية، يبقى الموظف هو الخاسر الأكبر، في انتظار تسوية قد لا تأتي قريبًا، ما لم تتحرك الدولة لإقرار حل عادل يحفظ الحقوق ويضمن استدامة المؤسسات.

فراس خداج- المدن

أقرأ أيضاَ

20 دولارًا فرق بـ 100 متر والرقابة "اختراع لبناني"

أقرأ أيضاَ

البستاني: سنصعّد إذا لم تتحرك الحكومة لتحصيل حقوق المودعين