قطاع المطاعم في لبنان… صمود يتحدى الأزمات -- Jun 30 , 2025 208
وسط واقعٍ مثقل بالأزمات الاقتصادية والمالية، والتوترات الأمنية التي لا تهدأ، يبقى قطاع المطاعم في لبنان واحداً من المساحات القليلة التي تنبض بالحياة. فبعيداً عن المشهد القاتم، يواصل هذا القطاع تقديم تجربة استثنائية تعبّر عن هوية اللبناني وإصراره على الحياة، وتُظهر في تفاصيلها تمسكاً بالأمل، مهما اشتدت الظروف.
على الرغم من الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان، من أزمات اقتصادية ومالية، مروراً بالوضع الأمني غير المستقر، وصولاً إلى الحرب الأخيرة، يؤكد عدد من أصحاب المطاعم في بيروت ومختلف المناطق أنّ القطاع المطعمي لا يزال صامداً، بل ويشهد في بعض المحطات “لمعة أمل” توحي بقدرة اللبنانيين على الاستمرار وتقديم الأفضل، حتى في أصعب الظروف.
ويقول أحد أصحاب المطاعم في وسط بيروت: “نحن نعمل رغم كل شيء، ونلمس إقبالاً جيداً نسبياً، خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع”. ويضيف آخر من منطقة كسروان: “اللبناني بطبعه يحب الحياة، والسياح العرب يعشقون المطبخ اللبناني، وهذا ما يعطينا أملاً كبيراً”.
وفي هذا السياق، يصرّح نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري، خالد نزهة، لـ “هنا لبنان”، قائلاً: “ما مرّ به لبنان خلال الفترة الأخيرة كان مخيفًا وصعبًا. نحن نعيش كل يوم بيومه، ونتّكل على الله، خصوصاً في ظل الظروف التي فرضتها الحرب الأخيرة”.
ويتابع نزهة: “في عيد الأضحى كنا على موعد مع انطلاقة الموسم السياحي من فندق فينيسيا، حيث نظمنا حفلة كبيرة بمشاركة 450 مطعماً، إضافة إلى الرعاة والإعلام، في إعلان واضح عن جهوزيتنا الكاملة لتقديم موسم يتميّز بالشفافية والجودة والخدمة العالية، رغم كل التحديات”.
ويضيف: “لكن هذا الزخم لم يلبث أن تأثر سلباً بفعل التصعيد الأمني. ففي ليلة العيد، وتحديدًا في 5 حزيران، تعرضت الضاحية الجنوبية لتسع ضربات عنيفة، ما انعكس مباشرة على الحركة في اليوم التالي، حيث كانت متواضعة جداً. وبعدها بأيام اندلعت الحرب، التي شكّلت ضربة قاسية للقطاع، لا سيما أنّ العديد من المطاعم كانت قد فتحت أبوابها أو كانت على وشك الافتتاح”.
ويوضح نزهة أنّ “القطاع السياحي كان جاهزاً لاستقبال الموسم، مشيراً إلى أن الأشقاء العرب كانوا قد بدأوا بالتوافد إلى لبنان، قبل أن يتوقفوا مع تصاعد التوتر وتوقّف عدد من شركات الطيران عن تسيير رحلاتها إلى بيروت، مما شكّل نكسة إضافية للسياحة، إلى جانب ارتفاع أسعار التذاكر”.
ويقول نزهة: “اليوم نعوّل على اللبنانيين المغتربين، خصوصاً الذين حجزوا رحلاتهم مسبقاً، وهم بأعداد كبيرة. هؤلاء لم يتمكنوا من زيارة لبنان الصيف الماضي بسبب الحرب، واليوم نشهد ارتفاعاً تدريجياً في أعداد الوافدين عبر المطار، حيث تضاعفت الأرقام خلال الأسبوع الأخير”.
ويتابع: “نأمل أن يستأنف الأشقاء العرب، خاصة من دول الخليج، زياراتهم إلى لبنان، فالحضور الخليجي لطالما كان عنصراً حاسماً في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية. فقد بدأنا نلمس عودة بعض الإماراتيين قبل الضربات الأخيرة، ونأمل أن نرى مجدداً السعوديين وبقية الأشقاء العرب في لبنان”.
ويردف نزهة: “نحن ننتظر كثافة حضور لبناني من الخارج، تزامناً مع انتهاء العام الدراسي في البلدان العربية وبدء العطلة الصيفية. كما نترقب زيارات من المغتربين في أميركا وكندا وأستراليا، ونعوّل على أن يعوّضوا ما فاتهم في العام الماضي”.
ويؤكد: “لو لم تقع الحرب، لكان الحضور مضاعفاً، لا سيما من الدول العربية. وهذا كان ليشكّل دفعة اقتصادية إيجابية تُعيد تثبيت لبنان على الخارطة السياحية العالمية”.
وحول التميز اللبناني في عيون السائح العربي، يقول نزهة: “هناك نكهة خاصة يتميّز بها اللبناني في نظر الأشقاء العرب، وهذه مسألة مهمة، فلبنان يمتلك كل المقومات السياحية التي تجذب الزائر”.
وفي ختام حديثه، يشير نزهة إلى أن “السهر اللبناني” يبقى عنصر جذب مميز، قائلاً: “نشهد افتتاح عدد كبير من الـRooftops هذا الموسم، من الروشة إلى البترون، مع إطلالات بحرية وسهرات ليلية، وهناك استثمارات كبيرة في هذا القطاع تعكس استمرار الرهان على لبنان، رغم كل شيء”.
وبين صخب الحرب وسكون الأمل، يبقى قطاع المطاعم في لبنان مساحةً يصرّ فيها اللبناني على الحياة، بطبق دافئ، وضحكة لا تنطفئ، وسهرة تمتد حتى الفجر.
ناديا الحلاق -”هنا لبنان”