سوريا على طريق التعافي البطيء: نمو إقتصادي متواضع وتحولات نقدية -- Jul 09 , 2025 10
توقع البنك الدولي في تقرير صدر الاثنين أن يسجل الاقتصاد السوري نمواً متواضعاً بنسبة 1% خلال عام 2025، بعد انكماش بلغ 1.5% في عام 2024. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو متواضعة في ظاهرها، إلا أنها، وفق مراقبين، تعكس بداية تحوّل اقتصادي محتمل، مدفوع بتغيرات سياسية إقليمية، ومحاولات حكومية لإعادة الانخراط في المنظومة الاقتصادية العالمية.
أوضح البنك الدولي في بيانه أن "تخفيف العقوبات على سوريا يوفر بعض الإمكانات الواعدة"، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن التقدم لا يزال محدوداً، في ظل استمرار تجميد الأصول وتقييد الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية، وهي عوامل تؤثر سلباً على تدفق المساعدات والطاقة والتجارة والاستثمار. كما حذر من "مخاطر كبيرة" ما زالت تهدد المشهد الاقتصادي السوري، وعلى رأسها أزمة السيولة ونقص أوراق النقد واضطراب تداول العملة المحلية.
وفي سياق متصل، أعلن محافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية قبل أيام أن بلاده لن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية، مؤكداً "عدم وجود أي نية للاقتراض من صندوق النقد أو البنك الدولي". ولفت إلى أن سعر صرف الليرة السورية تحسن بنحو 30% منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، وأن الحكومة تتجه نحو توحيد سعر الصرف الرسمي مع السوق السوداء خلال الأشهر المقبلة، بما ينهي التشوهات التي طالما أثقلت كاهل الاقتصاد السوري.
كما تحدث حصرية عن بدء مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، ومحاولات تفكيك العزلة المصرفية التي استمرت لعقود، مؤكداً أن الحكومة تسعى إلى بناء اقتصاد قائم على الإنتاج والصادرات، وليس على جذب استثمارات موقتة أو مضاربات مالية عالية الأخطار.
وفي هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور محمد موسى في حديث إلى"النهار" أن تقديرات البنك الدولي حول تعافي الاقتصاد السوري "لا تأتي من فراغ"، بل ترتبط بتغيرات سياسية وديبلوماسية ملموسة. ويشير موسى إلى أن "الانفراج السياسي الذي بدأ مع لقاء ترامب الشرع برعاية ولي العهد السعودي، والجهود التركية والخليجية التي دفعت نحو تخفيف العقوبات، أسهمت في خلق مناخ اقتصادي أكثر تفاؤلًا"، على الرغم من بقاء بعض القيود المفروضة.
ويضيف موسى أن الحراك الديبلوماسي السوري – الخليجي يتخذ طابعاً اقتصادياً متزايداً، مشيراً إلى زيارة وزيرة الخارجية البريطانية التي حملت دعماً مالياً مباشراً، وإلى مشاريع طاقة عملاقة تصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار، تشمل إنشاء محطات تغويز ومشاريع طاقة شمسية بطاقة تتجاوز 5,000 ميغاواط.
كما لفت إلى مساهمة البنك الدولي، على الرغم من رمزيتها، من خلال تمويل بقيمة 146 مليون دولار، معتبراً أن هذا التمويل يشكل "رافداً معنوياً ومادياً" يعزز فرص النمو، ويفتح الباب أمام المزيد من التمويل الخارجي في حال تحسن الظروف السياسية والأمنية.
ad
ويذكر موسى أن الحكومة السورية بدأت بالفعل إجراءات إصلاحية مهمة، مثل تحرير سعر الصرف، وتطوير النظام المصرفي، وتحفيز بيئة الاستثمار من خلال قوانين جديدة تحظى باهتمام المستثمرين الخليجيين، لا سيما من السعودية. ولفت إلى إمكان استفادة الاقتصاد من عودة الجاليات السورية المنتشرة في الخارج، محملةً بخبرات وتمويلات قد تسهم في إطلاق مشاريع استثمارية محلية.
وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، يحذّر موسى من تجاهل التحديات الكبرى التي ما زالت قائمة، وعلى رأسها ملف الاستقرار الأمني، ومعضلة صوغ دستور توافقي يُرضي جميع المكونات السورية. ويرى أن مشاكل السيولة والتمويل تحتاج إلى شراكات حقيقية مع مؤسسات دولية ومانحين، إلى جانب ضرورة إعادة إعمار البنية التحتية المتهالكة التي دمرتها الحرب ، في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، والمياه، والنقل، والطاقة.
ويشدد موسى على أن التعافي الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بصورة مستدامة من دون إصلاحات سياسية حقيقية، تشمل إصلاح المنظومة الانتخابية، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد بشكل جذري، لأن "لا استثمار بلا استقرار"، على حد تعبيره.
ويختم بالقول إن الأرقام التي يتحدث عنها البنك الدولي "واقعية ومبنية على مؤشرات فعلية"، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الدولة السورية على تجاوز العقبات السياسية والأمنية والاقتصادية، وتطوير التشريعات اللازمة لضمان استمرارية هذا النمو، وعدم تحوّله إلى طفرة موقتة لا تلبث أن تتلاشى.