بعد تعميم المركزي.. ما مصير "القرض الحسن" وهل يتأثر الذهب؟ -- Jul 16 , 2025 13
ما إن أصدر مصرف لبنان تعميمه رقم 170 الذي يمنع فيه التعامل مع مؤسسات وصفها بـ"غير المرخصة"، وعلى رأسها جمعية "القرض الحسن"، حتى خرج الموفد الأميركي توم باراك ليشيد بالخطوة، معتبراً إياها "تحركاً في الاتجاه الصحيح" لضبط تدفّق الأموال المرتبطة بجمعية يُنظر إليها دولياً على أنها الذراع المالية لـ"حزب الله".
التعميم لم يقتصر على "القرض الحسن" فقط، بل طاول أيضاً شركات تدور في فلكها وتتقاطع معها في الملكية والإدارة، مثل "شركة تسهيلات ش.م.م"، "شركة اليسر للتمويل والاستثمار"، و"بيت المال للمسلمين". لكن مع محاولة مصرف لبنان التضييق على هذه المؤسسات، يُطرح سؤال جوهري لدى مئات الآلاف من المتعاملين مع "القرض الحسن": ما مدى تأثير هذا التعميم فعلياً على سير عمل الجمعية؟ وهل هناك ما قد يهدّد مصير الذهب المرهون أو المودع لديها؟
لا أثر فعلي للتعميم؟
یحظرمصرف لبنان في تعميمه على المصارف والمؤسسات المالیة وسائر المؤسسات الخاضعة لترخیص منه وعلى مؤسسات الوساطة المالیة وھیئات الاستثمار الجماعي أن تقوم بأي تعامل (مالي أو تجاري، او غیره...)، بشكل مباشر أو غیر مباشر، كلیاً أو جزئیاً، مع مؤسسات الصرافة وشركات تحویل الاموال والجمعیات والھیئات غیر المرخصة كـ "جمعیة القرض الحسن" و"شركة تسھیلات ش.م.م." و"شركة الیسر للتمویل واللاستثمار" و"بیت المال للمسلمین" وغیرھا من المؤسسات والھیئات والشركات والكیانات والجمعیات المدرجة على لوائح العقوبات الدولیة، سیما لجھة تقدیم أو تسھیل خدمات مالیة أو نقدیة أو تحویلات أو خدمات وساطة. وإنشاء أو تنفیذ ترتیبات تمویل أو إیجار أو إقراض. وتسھیل الوصول المباشر أو غیر المباشر إلى النظام المصرفي اللبناني، بأي عملة كانت من قبل الجمعیات او الھیئات او الشركات المذكورة.
لكن، عملياً، لا يبدو أن لهذا التعميم أي أثر مباشر على عمل "القرض الحسن". فالمؤسسة لا تتعامل أساساً مع القطاع المصرفي الرسمي، ولا مع شركات الصرافة المرخصة، ولا مع الخارج، نظراً لإدراجها على لوائح العقوبات الأميركية والدولية. وتقوم طبيعة عملها على علاقات مباشرة مع الأفراد وبعض المؤسسات المحلية المحسوبة على بيئتها الاجتماعية، وهي علاقات مالية لا تمر عبر النظام المصرفي اللبناني ولا تخضع لرقابته. وبالتالي، فإنه من الصعب ضبط هذه العلاقات أو التأثير عليها من خلال تعميم أو قرار مصرفي، لا سيّما أنها لا تسلك المسارات القانونية التقليدية
.
واللافت أن التعميم يلوّح بإجراءات صارمة في حال عدم الالتزام، تصل إلى تعليق أو سحب الترخيص، وتجميد الحسابات والأصول، والإحالة على هيئة التحقيق الخاصة. أي أن العقوبات تستهدف المؤسسات القانونية إذا ما تعاملت مع مؤسسات غير قانونية، في حين تبقى الأخيرة خارج متناول يد الدولة.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى، فـ"القرض الحسن" ليست مؤسسة مالية مسجّلة لدى مصرف لبنان، بل تعمل بصفتها جمعية خيرية بموجب "علم وخبر" صادر عن وزارة الداخلية، وهو ما يجعلها خارج سلطة المصرف المركزي. ولو كانت هناك نية حقيقية لدى السلطات اللبنانية لمقاربة هذا الملف بجدّية، لكان الأجدى سلوك المسار الإداري والسياسي الطبيعي، عبر شطب "العلم والخبر" الخاص بالجمعية، لا الاكتفاء بتعميم موجّه إلى المصارف لا تأثير له على الجهة المعنية فعلياً.
وماذا عن الذهب؟
ورغم أن التعميم بحدّ ذاته لا يُهدد مؤسسة "القرض الحسن"، إلا أن القلق في أوساط المتعاملين معها، وعددهم يُقدَّر بمئات الآلاف، يعود إلى أمر آخر، التزامات الحكومة اللبنانية تجاه "مجموعة العمل المالي" (FATF)، التي تُطالب بخطة متكاملة لمعالجة أوضاع المؤسسات المالية غير الخاضعة للترخيص الرسمي.
بمعنى آخر، القلق نابع من احتمال أن تتحرك الحكومة اللبنانية في مرحلة لاحقة نحو إغلاق "القرض الحسن" وسواها من المؤسسات غير المرخّصة، كجزء من عملية إصلاح يطالب بها المجتمع الدولي، خصوصاً من قبل الجانب الأميركي.
لكن وفق مصادر مصرفية مطلعة، فإن ما يجري حالياً لا يتعدى كونه سياسة "تضييق تدريجي"، وليست خطوات حقيقية نحو إلغاء أو تفكيك الجمعية. وتؤكد هذه المصادر لـ"المدن" أن السلطات اللبنانية، رغم الضغوط، لا تتجه فعلياً نحو قرار جذري بإقفال الجمعية، لأن المسألة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية والمالية، وتدخل في عمق التوازنات السياسية الداخلية.
ويضيف المصدر أن الحكومة تمارس ضغوطها على الجمعية وشبكة المؤسسات المرتبطة بها من خلال بوابة مصرف لبنان، لكنها لا تملك حتى الآن قراراً سياسياً واضحاً للتعامل الجذري مع هذه الكيانات. ويقول: "لو كان هناك فعلاً إرادة سياسية موحّدة، لرأينا قراراً من وزارة الداخلية بشطب الجمعية من سجل الجمعيات، وليس مجرد تعميم صادر عن المصرف المركزي".
وطالما أن القرار السياسي غائب يستبعد مصدر مقرّب من مؤسسة القرض الحسن أن يتم المس بعمل الجمعية على أرض الواقع، مؤكداً ان إيداعات الذهب والرهونات بأمان ولن يتم المس بها مهما كان مصير المؤسسة. فهذه أمانات والأمانات لا تُمسـ بحسب تعبير المصدر.
لا قرار سياسي
بالمحصّلة من الواضح أن تعميم مصرف لبنان الأخير يخدم وظيفة إعلامية وسياسية أكثر منها نقدية أو تنظيمية. فالرسالة موجّهة إلى الخارج بالدرجة الأولى، وتحديداً إلى الجهات الدولية التي تطالب بإجراءات "مُرضية" ضد نشاط "القرض الحسن"، أكثر مما تستهدف ضبط هذا النشاط فعلياً. فالجمعية تعمل خارج النظام المصرفي الرسمي، ولا تتأثر بتعاميمه، في ظل غياب آلية تنفيذية حقيقية أو قرار سياسي قادر على فرض المعالجة.
أما مصير الذهب والإيداعات، فعلى الرغم من الهواجس المشروعة، لا يزال محكوماً بمنظومة أبعد من الاقتصاد والنقد، تتصل بالسياسة، وبمعادلات محلية وإقليمية معقّدة. ومن دون توافق سياسي واضح، لن يكون هناك قرار فعلي بشأن "القرض الحسن" ومثيلاته. ولا قوننة أو تفكيك أو رقابة، قبل أن تُطرح هذه المؤسسات بوضوح على طاولة البحث الوطني.
وحتى ذلك الحين، سيبقى "القرض الحسن" يعمل ككيان خارج الرقابة، وداخل شبكة نفوذ لم تجرؤ الدولة على الاقتراب منها بعد.