من انتهاكات البنك الدولي للسيادة: تجديد عقود مقدّمي الخدمات

من انتهاكات البنك الدولي للسيادة: تجديد عقود مقدّمي الخدمات -- Jul 29 , 2025 11

يتصرّف البنك الدولي في لبنان على أنّه الآمر الناهي. لا يعطي توصيات، بل يفرض أوامر تُنفّذ حرفياً من دون تغيير. ولا يجرؤ أحد من المسؤولين اللبنانيين على مخالفة هذه التعليمات، بل ينخرطون في الامتثال سواء أتت بشكل شفهي أو بواسطة رسائل إلكترونية، إذ إن ذلك يكفي لإدراج التعليمات في المراسيم والتعامل معها كمرجع لمعطيات لا يمكن النقاش فيها.


ما حصل بين البنك الدولي ووزارة الطاقة بشأن عقود مقدمي الخدمات هو نموذج عن الهيمنة التي يمارسها البنك في لبنان، وعن الخضوع اللبناني تجاهه. تظهر بعض الرسائل التي حصلت عليها «الأخبار» جانباً من الانتهاكات التي يمارسها البنك الدولي للسيادة اللبنانية، والتي تفرض خيارات على لبنان ليس بالضرورة أن تكون للمصلحة العليا الوطنية.

للبنك الدولي محفظة قروض في لبنان إجمالية بقيمة 4.4 مليارات دولار صُرف منها على المشاريع، حتى الآن، 2.46 مليار دولار، وألغي ما قيمته 1.34 مليار دولار. وبحسب المعطيات الواردة على الموقع الإلكتروني للبنك الدولي، فإن للبنك في لبنان عشرة مشاريع ناشطة يموّلها بقروض، منها اثنان في 2025، واثنان في السنة السابقة. وهذه المشاريع الأربعة هي الأكبر.

ففي السنة الجارية وافق البنك على إقراض لبنان مبلغ 250 مليون دولار في إطار المساعدة الطارئة لإعادة الإعمار، ووافق أيضاً على إقراض لبنان مبلغ 257.8 مليون دولار لتأمين المياه لمنطقة بيروت الكبرى، وفي السنة الماضية وافق على إقراض لبنان 250 مليون دولار من أجل تعزيز نظام الطاقة البديلة، ومبلغ 29 مليون دولار من أجل المساعدة في إدارة الوضع المالي. مجموع هذه القروض يبلغ 786 مليون دولار، وهي توازي 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الدين سيضاف إلى الدين بالعملة الأجنبية الذي على أساسه سيحتسب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قدرة لبنان على تسديد ديونه واستحقاقات فوائده.

تفسّر هذه القروض جانباً من «التناتش السياسي» على وزارات لا تُعدّ خدماتية، مثل وزارة التنمية الإدارية، والتي يدير فيها البنك الدولي مشروعاً بقيمة 150 مليون دولار لـ«إنشاء وزارات إلكترونية»، أو وزارة الطاقة والمياه حيث يدار عدد من المشاريع بإشراف البنك الدولي مباشرة، أو بوجود مندوبين عنه. وهذا المشروع في وزارة الطاقة هو نموذج واضح عن طريقة عمل البنك في لبنان وفرض الإملاءات وتوجيه الأوامر التي تُفرض على السيادة اللبنانية. فعلى سبيل المثال، جُدّدت عقود شركات مقدمي الخدمات بأمر مباشر من البنك الدولي بواسطة رسائل إلكترونية «email».


ففي أيلول 2024 انتهى عقد الشركات الأربع «مراد،KVA، NEUC BUS»، وفي الشهر نفسه ومن دون أي ضجيج جدّدت العقود الأربعة بعدما وجّهت إدارة البنك الدولي أوامر إلى وزارة الطاقة والمياه برسالتين إلكترونيتين؛ وصلت الأولى في آب 2024، والثانية بعدها بعدّة أيام في مطلع أيلول من عام 2024. وفي هاتين الرسالتين، رأى البنك أنّ المؤسسات الحكومية غير جاهزة لإعادة استلام قطاع التوزيع والخدمات، بمعنى آخر مؤسسة كهرباء لبنان لا يمكنها الآن تأمين استمرارية العمل في مجالي الفوترة والصيانة وتشغيل عدد من محطات التحويل. لذا، طلب البنك الدولي صراحة «تمديد عقود مقدمي الخدمات الحالية لضمان استمرارية العمل». ورأى أنّ الانتقال من مرحلة إلى ثانية من نموذج توزيع الكهرباء «يتطلب التحضير، ومهلة زمنية تقدّر بسنتين على الأقل».

بمعنى آخر، وضع البنك الدولي نفسه بمنزلة «مفوض سام» على مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة والمياه، وحدّد المهل المطلوبة لإنجاز «الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء»، وحجز لنفسه كرسياً دائماً على طاولة إدارة ملف الطاقة في لبنان، سواء في مؤسسة الكهرباء أو في وزارة الطاقة. مثلاً، قال البنك الدولي في رسالته الموجهة في أيلول من عام 2024 لوزارة الطاقة إنّه يجب إتاحة وقت كافٍ لإجراء المناقصات وإعداد دفاتر الشروط، وهذه المهل لا تقل عن سنتين.


وفي المدى المنظور، وقبل خروج الدخان الأبيض من أروقة البنك الدولي، لا نعلم نحن في لبنان شكل قطاع توزيع الكهرباء مستقبلاً، هل سيبقى على ما هو عليه، أي ستستمر شركات مقدّمي الخدمات بأعمالها، أم سيأخذ شكلاً آخر؟ وهذا التغيير، وإن كانت مؤسسة الكهرباء تطرح خططها حول أشكاله الجديدة المقترحة، إلا أنّها «تنتظر تقرير الاستشاري المعيّن من قبل البنك الدولي لدراسة الاحتمالات الممكن اعتمادها لقطاع التوزيع». فبحسب الملف المقدّم من وزارة الطاقة لمجلس الوزراء، والذي سحبه وزير الطاقة والمياه جو صدّي قبل دراسته، «قطاع توزيع الكهرباء الجديد الذي يتم التحضير له، يساعد البنك الدولي في إعداده».

الاخبار

أقرأ أيضاَ

خبر سار.. هذا ما فعله مصرف لبنان

أقرأ أيضاَ

لن تتم التضحية بأموال المودعين... لجنة المال تقرّ قانون إصلاح المصارف