هل غاب العجز فعلًا عن الموازنة؟ عملية حسابية بسيطة تكشف المستور

هل غاب العجز فعلًا عن الموازنة؟ عملية حسابية بسيطة تكشف المستور -- Aug 05 , 2025 10

في العامين 2023 و2024 غاب العجز الذي طالما كان قائمًا لسنوات مضت عن موازنة الدولة، واعتبر القيّمون أنهم حققوا إنجازًا، يتماهى مع مطالب صندوق النقد الدولي، بعدم وجود أي عجز في الموازنة. إلا أن الحقيقة أن موازنة العامين الماضيين لم تكن موازنة شرعية مرتبطة بخطة مالية واقتصادية تشمل نفقات استثمارية، من إعادة إعمار وتأهيل للبنية التحتية بالإضافة الى أهمّ عامل أدّى إلى غياب العجز فيها، وهو احتساب كلفة خدمة الدين العام. وكانت النتيجة بطبيعة الحال، موازنة حسابية تعادل بين أرقام الواردات والنفقات الأساسية أي الرواتب والأجور وإيرادات الضرائب.
وسط التباهي الرسمي بالمؤشرات الإيجابية التي حققتها المالية العامة مثل غياب العجز في الموازنة والالتزام المالي المطلوب دوليًا، فإن الموازنة لا يمكن أن تستمرّ بلا عجز في ظلّ النفقات المتوقعة والتي ستنتج عن المطالب بزيادة الرواتب والأجور في القطاع العام أو احتساب كلفة خدمة الدين العام، في حال إقرار قانون الفجوة المالية وتحمّل الدولة مسؤوليتها، أو في حال تراجع الإيرادات الضريبية مع وقف العمل بضريبة المحروقات والتي آلت وارداتها إلى العسكريين، ومع تراجع الاستهلاك مع انتهاء الموسم السياحي وبالتالي، انخفاض الإيرادات الضريبية.

كيف ستحقق الحكومة ما أعلنه وزير المالية ياسين جابر مؤخرًا، عن العودة للالتزام المالي المطلوب وألا يقع لبنان في عجز في الموازنة بل يجب أن يكون هناك بعض الفائض كي يثبت لبنان أنه قادر على تسديد ديونه وتحسين مداخيله، وفقًا لمحادثاته الدائرة مع صندوق النقد الدولي؟ وما هي الخيارات للحفاظ على غياب عجز في الموازنة في مقابل تلبية المطالب الاجتماعية والمالية المحلية والدولية؟

في هذا الإطار، اعتبر النائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسان عيّاش أن "التحليل الصحيح لمالية الدولة اللبنانية يصطدم بكون أرقام الموازنة العامة منذ الانهيار النقدي والمصرفي غير صحيحة، بل هي بعيدة جدًّا من الواقع. وبذلك لم تعد موازنة الدولة أداة موثوقة ليس لتحليل إيرادات الدولة ونفقاتها فحسب بل أيضًا لتحليل العديد من الجوانب الأساسية للاقتصاد اللبناني ككلّ".

ورأى أن دقّة أرقام الموازنة العامّة ضرورية ليس فقط لمعرفة حقيقة المركز المالي للقطاع العام بل أيضًا حتى تتمكّن الدولة من تخطيط سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. "هذه الدقّة مفقودة تمامًا في لبنان إذ أظهرت أرقام مالية الدولة في السنوات الأخيرة أن الإيرادات المحقّقة جاءت أقلّ من الإيرادات المقدّرة في الموازنة. والأدهى هي الفوارق في جانب النفقات إذ تتجاهل قوانين الموازنة أو تخفي النفقات الحقيقية".


أضاف: على سبيل المثال، لا تظهر الموازنة كامل خدمة الدين العام ومنها الفوائد على اليوروبوندز بحجّة واهية أن الدولة متوقفة عن تسديد هذه السندات. ولو سعت الحكومة إلى الشفافية لكان عليها أن تلحظ في حساباتها مؤونات لهذه الديون. يضاف إلى ذلك، عدم تضمين الموازنة الزيادات المرتقبة على الرواتب في ضوء مطالبات العديد من موظفي القطاع العام والمتقاعدين برفع الرواتب والأجور. في المقابل، تعمد الحكومة إلى معالجة مطالب كل فئة من الموظفين على حدة بدلًا من معالجة هذه المسألة بشكل شامل وتقدير الكلفة الإجمالية.

بالإضافة إلى ذلك، أشار عياش إلى أن الدولة لا تحتاط في الموازنة إلى حصّة الدولة المحتملة في إعادة إعمار المناطق التي هدّمتها الحرب مع إسرائيل.

وختم مؤكدًا أن هذه التشوّهات أفضت إلى تقديرات غير واقعية لعجز الدولة، وأظهرت خلافًا للحقيقة، نسب عجز معتدلة فيما الواقع بعيد جدًّا من ذلك. "فسنة 2023 بلغت الإيرادات العامّة 3.11 مليارات دولار والنفقات 3.14 مليارات، وسنة 2024 بلغت الإيرادات 4.65 مليارات دولار بزيادة طفيفة عن النفقات التي بلغت 4.55 مليارات دولار". مما يطرح السؤال: من يصدّق أن لبنان الذي يعيش ظروفًا اقتصادية ومالية سيّئة تتوازن نفقات دولته مع إيراداتها وينتفي عجز موازنة الدولة تقريبًا؟

من جهتها، اعتبرت الخبيرة الاقتصادية سابين الكك أن الموازنة التي تعتمدها الحكومة هي موازنة تجميليّة تستخدم فيها الأرقام التي تريدها والتي تراها مناسبة لتوازن بين الإيرادات والنفقات، بدليل أن وزير المالية نفسه أعلن على سبيل المثال، أن احتياطي مصرف لبنان ليس بأكمله قابلًا للاستخدام، بما يشير إلى أن الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية، تعود تلك الجهات وتنفيها، مما يطرح علامات استفهام حول حقيقة الأرقام الواردة في الموازنة.


وقالت لـ "نداء الوطن" إن الموازنة لا تعكس حقيقة الواقع المالي والنقدي والاقتصادي، "ولو كانت تعكسه، لكان العجز فيها كبيرًا"، موضحة أن الموازنة يجب أن تعكس عمليًا حقيقة المؤشرات مثل حجم النفقات الفعلية وحجم الواردات، كلفة خدمة الدين العام، الرؤية الاقتصادية والمالية للحكومة، نفقات القطاع العام بعد رفع الحدّ الأدنى للأجور وبعد زيادة الرواتب والأجور، تسديد التزامات الدولة اللبنانية للعراق، كلفة إعادة الإعمار.... لافتة إلى أن الأزمات لم تحتسب يومًا ضمن موازنة البلاد، "فكيف يمكن أن تكون حقيقية وخالية من العجز في ظلّ كافة الأزمات التي مرّت بها البلاد؟".

واعتبرت الكك أن هدف الحكومة هو إرضاء صندوق النقد فقط وذلك عبر تجميل الحقائق وتبيانها بحلّة جميلة من الخارج رغم أن الحقيقة من الداخل واضحة ومعلومة. وفيما أكدت أن الاعتراف بالحقيقة أوّلًا هو الخطوة الأولى لإعداد موازنة حقيقية، سألت: هل قانون الانتظام المالي ملحوظ ضمن الموازنة؟ كيف يمكن إعداد هذا القانون وعدم ربطه بالموازنة؟ ألا يجب ان تلحظ الموازنة خسائر مصرف لبنان والدولة؟

وأكدت الكك أنه لا يمكن أن يغيب العجز عن الموازنة في حال كانت تعكس كل المؤشرات الحقيقية مثل حالة التخلّف عن السداد وعدم احتساب كلفة خدمة الدين العام، وخسائر مصرف لبنان والفجوة المالية، والنفقات الاستثمارية كإعادة تأهيل البنى التحتية وغيرها...

ختمت الكك: ما يحصل هو أن مصرف لبنان يلعب دور وزارة المالية بتحديد السياسة المالية من خلال وضع الحدّ الأقصى لنفقات الدولة، علمًا أن العكس هو الصحيح، حيث يجب أن يكون تحديد النفقات من مسؤولية وزارة المالية التي تضع سياسة مالية وضريبية يظهر على أساسها حجم النفقات والواردات السنوية، على أن يطبق مصرف لبنان السياسة النقدية. ولكن في لبنان، فإن عمليات التجميل للأرقام والموازنات هي السائدة في ظلّ التأجيل المستمرّ للحلول ولكشف حقيقة المؤشرات، خصوصًا أن ما يساعد على ذلك هو امتناع مجلس النواب عن مراقبة النفقات وإتمام عملية قطع الحساب.


رنى سعرتي - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

مطار بيروت يسجّل أعلى عدد للوافدين منذ مطلع 2025

أقرأ أيضاَ

تنبيه مهم من وزارة المال لهؤلاء.. إليكم هذا البيان