تاكسيات مزوّرة وتعرفة عشوائيّة… من يحكم الطرقات في لبنان؟

تاكسيات مزوّرة وتعرفة عشوائيّة… من يحكم الطرقات في لبنان؟ -- Oct 09 , 2025 133

في بلدٍ تتغيّر فيه تعرفة النقل أسرع مما تتبدّل أسعار صرف الدولار، يتحوّل قطاع النقل في لبنان إلى مرآةٍ للفوضى التي تبتلع يوميات الناس. كيف يمكن أن تتبدّل التسعيرة أكثر من مرة في الشهر الواحد، دون وجود أي مرجعية رسمية تضبطها؟ من يضع الأرقام، ومن يربح من هذا التخبط المنهجي الذي يدفع المواطن الثمن في كل مرة؟


وحرصا على ما ننقله فقد راقبت "الديار" قطاع النقل لأسبوعٍ كاملٍ على الأرض، ووجدت ما يتجاوز الفوضى إلى ما يشبه الفضيحة الوطنية. أولاً، سيارات تحمل لوحات بيضاء مدنية تتجوّل علنا وقد وضعت لافتة كتب عليها عبارة "تاكسي"، في خرقٍ واضح للقانون، أمام أعين الجميع. ثانيا، عشرات السائقين يعملون على خطوط النقل من دون أي ترخيص رسمي، وكأنّ الطرق باتت مشرّعة لكل من أراد أن يحوّل سيارته إلى وسيلة نقلٍ مدفوعة الأجر. ثالثًا، والأخطر، اكتشفت "الديار" وجود مركبات تحمل الرقم نفسه والرمز ذاته، كأنّ عملية نسخٍ ممنهجة للوحات تجري في الخفاء، دون أن يتحرك أحد.

فمن يغطي هذه الفوضى؟ ومن المستفيد من هذا التسيّب المريب، وهل بات التزوير جزءا من منظومةٍ تسكت عنها الجهات الرسمية عمدًا؟ وما الذي يعنيه أن تتجوّل سياراتٌ مزيّفة في شوارع البلاد من دون أي تدقيق أمني؟ هذه ليست مجرد مخالفات مرورية، بل منظومة عبثٍ تُقوّض القانون، وتُهدّد الأمن الاجتماعي، وتفضح حجم التراخي الذي ينخر مؤسسات الدولة من الداخل.

واستخلاصا لما سبق يبدو أن العجلات في لبنان تدور، لكن ليس على الطرق فقط، بل في ماكينة الفوضى التي لا تتوقف.

شرعية القانون ام شريعة الغاب؟

من زاوية اخرى، تابعت "الديار"، عن قرب نبض الشارع ومشاهد الازدحام والجدل حول التسعيرة وسيارات الأجرة غير القانونية. ولم تكتفِ بالمراقبة، بل حاولت استصراح سائقين يعملون ضمن قطاع النقل المشترك كما ضمن النقل الخاص، لتفهم كيف تُرسم الأرقام على عدّادات لا أحد يراقبها. المفارقة كانت صادمة: لا معادلات اقتصادية تحكم التسعيرة، ولا أي مرجعية تحدد سقفها أو أرضها. كل ما في الأمر أن طرفًا يرفع، فيلحق به الآخر كمن يتّبع موجة عمياء من دون منطق أو ضوابط.

لذلك، عندما سألنا أحد سائقي النقل الخاص عن سبب رفعه التسعيرة، جاء الجواب ببرودة لافتة: "اسألوا قطاع النقل المشترك، هم رفعوا التعرفة، فنحن أيضا يجب أن نرفعها". هكذا ببساطة، وكأنّ لقمة المواطن أصبحت مرهونة بعدوى الرفع الجماعي، بلا دراسة، بلا رقابة، وبلا أي اعتبار لقدرة الناس على الدفع.


لذا، ومن هذا المنطلق، الكثير من الاستفسارات تُطرح في هذا الإطار: هل تحوّل النقل في لبنان إلى مزادٍ مفتوح على حساب الناس؟ وهل يُعقل أن تُدار تسعيرة المواصلات بهذا القدر من الارتجال، فيما تغيب الدولة عن السمع؟ من يضبط من؟ ومن يحاسب من؟ يبدو أن القطاع بأسره يسير بمنطق الغابة: الأقوى يفرض، والأضعف يدفع. بين من يملك المركبة ومن يحتاج إليها، تضيع العدالة، وتتحول الطرق إلى سوق فوضوية تتصارع فيها التسعيرات كما تتصارع العجلات على الأرصفة.

وخلاصة القول، في بلدٍ غابت عنه المرجعية، صار لكل سائق دولته الخاصة، ولكل خطٍّ قانونه، ولكل زحمةٍ رواية. والضحية دائما واحدة: المواطن الذي يدفع أكثر، ليتنقّل في فوضى لا تعرف نهاية.

"الداخلية" مصرّة على حماية المواطنين؟

في سياقٍ متصل، تكشف مصادر رفيعة المستوى في وزارة الداخلية والبلديات لـ "الديار" أنّه، وبناءً على ما يتمّ تداوله حول وجود لوحاتٍ مزوّرة وسياراتٍ تعمل في قطاع النقل بلوحاتٍ بيضاء، وجّه وزير الداخلية كتبا إلى كلٍّ من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وهيئة إدارة السير والآليات والمركبات، لإجراء التحقيقات اللازمة في هذا الخصوص، تمهيدا لوضع هذا الملف على مسار المعالجة".

زادت التعرفة.. لهذه الاسباب!

من جهةٍ ثانية، يوضح زياد شيا، رئيس مجلس إدارة ومدير عام مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، في حديثه لـ "الديار"، أنّ الزيادة التي حصلت على بعض الخطوط – والتي شملت خطين أو ثلاثة – تبدلت من 70 إلى 100 ألف ليرة لبنانية، وهذه العملية تعد تقنية لا أكثر ولا أقل".

ويشرح أنّ: "السبب وراء هذا التعديل يعود إلى أنّ الراكب، في كثيرٍ من الأحيان، لا يحمل أوراقًا نقدية من فئة العشرة أو العشرين ألفا، ما استدعى تسهيل عملية الدفع من خلال توحيد التسعيرة. وهذا الأمر لا يشكّل عبئا على المواطن بقدر ما هو إجراء تقني جاء بعد تجربةٍ دامت نحو عشرة أشهر على هذه المسارات، حيث قمنا بتطوير بعضها لتشمل مسافات أبعد قليلًا ممّا كانت عليه سابقًا. لذا كان هذا التعديل الجزئي البسيط الذي يكاد لا يُذكر في هذين الخطين أو الثلاثة".


فوضى تجتاح جميع المسارات

ويضيف شيا: "إنّ جزءا من القطاع غير مرخّص وغير شرعي، ونحن نحاول قدر الإمكان ضبطه من خلال التعاون والتنسيق، رغم أنّ هذا الأمر لا يدخل مباشرةً ضمن نطاق صلاحياتنا. ومع ذلك، نعمل بالتنسيق مع القطاعات الأخرى، سواء مع نقابات السائقين والنقل البري أو مع وزارة الداخلية، بهدف تفعيل تنظيم هذا المجال وقطاع النقل العام، عبر تنفيذ أيامٍ أمنية وتفعيل نظام الغرامات حيال المخالفين".

تأهب دائم!

وعن تعرض باصات "الدولة" لمضايقات من قبل أصحاب فانات النقل الخاص العاملة على الخطوط نفسها، وبشكل خاص على خطّي رقم 2 و5، يعلّق شيا: "تتم متابعة دقيقة للباصات والخطوط التي يتم تشغيلها، عبر غرفة عمليات مشتركة بيننا كمصلحة والمشغل، لضبط سير هذه الخطوط والباصات والسائقين. وقد تمكّنا بفضل التقنيات الموجودة في المركبات – سواء من جهة الكاميرات، أو عبر نظام GPS، بما يشمل بطاقات الدفع المسبق، أو من خلال متابعة حركة الحافلات بشكل مباشر – من تحقيق ضبط أفضل. هذا ما يجعلنا نقول إنّ قطاع النقل المشترك قد وُضع على السكة الصحيحة ويشهد تطورا مستمرا، وتوّجنا هذا العمل بإطلاق تطبيق يُسهّل على المواطن استخدام النقل المشترك بشكل مريح وسريع".

صرخات النقابة لا تهدأ… فهل من يستجيب؟

أما في ما يتعلق بالسيارات التي تحمل لوحات بيضاء وتعمل كتاكسي، فيوضح رئيس اتحادات ونقابات النقل البري في لبنان الحاج بسام طليس لـ "الديار" أنّ: "هذا الموضوع يتعلق بالقانون، فالنقابات تناضل وتنفّذ الإضرابات والاعتصامات وتتحرّك من أجل تطبيقه. ومؤسف أن نصل إلى وقتٍ تضطر فيه النقابات إلى المطالبة بتطبيق القانون، في حين انّ المسؤولين المكلفين ذلك لا يسألون".


ويشدد على أنّ "هذه القضية تتعلق بالأمن الاجتماعي، وليس فقط بمسألة السائقين وغيرهم. لذلك، أعاود مطالبة الحكومة والوزارات والإدارات، وحتى الأجهزة الأمنية المعنية، بملاحقة هذه الحالات وغيرها من الظواهر التي تعتدي على هذا القطاع، كونها تمسّ بالاستقرار العام".

ويشير متسائلا: "أيجب أن نقوم بتحرّك من أجل التوصل إلى عقد اتفاق؟ ليسارع بالإجابة، علما بأننا أبرمنا اتفاقًا مع رئيس الحكومة في حضور خمسة وزراء، وأُعلن الاتفاق، متضمّنًا هذه الأمور بالتفصيل". ويعلّق طليس: "هل تملك النقابات جيشًا لتقيم حواجز لملاحقة مثل هذه التجاوزات، أم أنّ على الأجهزة المعنية التدقيق في هذه الأوضاع وإخضاعها للقانون؟".

يتابع: "أتمنى أن تصل هذه الصرخة إلى المسؤولين في كل الإدارات والوزارات والأجهزة، وصولًا إلى رئيس الحكومة".

وعن رفع التسعيرة، يكشف أنّ: "لهذا الأمر آلياته، إذ تصدر عن وزير الأشغال استنادا إلى دراسة. لذلك، أتوجه إلى السائقين الذين يقومون برفع التسعيرة خلافا للأصول وللتعرفة الرسمية الصادرة عن وزير الأشغال، لإعادة النظر في هذا الموضوع".

ندى عبد الرزاق - الديار

أقرأ أيضاَ

نقابة مستخدمي "الضمان": هذا القرار يهدد حقوق المضمونين

أقرأ أيضاَ

الحكومة و "اليوروبوندز": ما الخيارات المتاحة؟