الغلاء يقلص السلّة الغذائية للعائلات في لبنان -- Nov 07 , 2025 7
ارتفعت أسعار المواد الغذائية، والزيادة لا تقتصر على «هامش بسيط» وفقاً لكلام أصحاب السوبر ماركت. بحسب بعض الموزّعين، وصلت نسبة غلاء بعض السلع الغذائية الأساسية إلى حدود 10%. وهذه النسبة لا يمكن التعامل معها كأمر عابر، خصوصاً أنّ الحديث لا يدور حول الأسعار بالليرة اللبنانية، بل على سلع أسعارها مدولرة بشكل كامل. أي إن ارتفاع الأسعار هو بالدولار، وهذا ما انعكس على القدرة الاستهلاكية للأسر التي أظهرت تدنياً واضحاً في السوبر ماركت، فضلاً عن تغيّر السلوك الاستهلاكي.
رغم تأكيد المستوردين أنّ التقلبات في الأسعار «طبيعية»، إلا أنّ فواتير السوبر ماركت تشير إلى تغيّر واضح في أسعار بعض المواد الأساسية، مثل الزيت والسكر والأرز. ويعكس السلوك الاستهلاكي للناس توجهاً إلى تخفيف الاستهلاك والاقتصار في التسوق على شراء المواد الأساسيّة. فالقوة الشرائية لم تعد قادرة على امتصاص أيّ زيادة في الأسعار، ولو كانت بضعة سنتات.
على مستوى التغيّر في الأسعار، يشير مالك سوبر ماركت «العاملية» في الضاحية الجنوبية يوسف حمود إلى أنّ الأسعار شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعات تراوحت بين 2% و5% وفقاً لنوع السلعة ومصدرها، موضحاً أنّ بعض السلع مثل الزيوت النباتية ارتفعت بنسب تراوحت من 5% إلى 10% بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وكلفة الشحن. ورغم أنّ «هذا الارتفاع يبقى محدوداً تقنياً»، يقول حمود، إلا أنّ هذه النسبة تعدّ غلاءً، والمستهلك يشتري اليوم أقل مما كان يشتريه قبل الأزمة.
بهذا المعنى، باتت نسبة الغلاء تفصيلاً. فحتى الزيادات «البسيطة» بنظر التجار والمستوردين تُقتطع من المداخيل الشهرية للناس، وهذه المداخيل فقدت أيّ هامش لاستيعاب الزيادات على فاتورة الاستهلاك. بمعنى آخر، تتضاعف فاتورة الاستهلاك بتضاعف حجم السلّة الغذائية الأساسية. مثلاً، علبة الزيت التي ارتفع سعرها دولاراً واحداً، أو كيلو الأرز الذي زاد بضعة سنتات، يتحوّل إلى تكلفة ملموسة عندما يُضرب بعشرات السلع التي تستهلكها الأسرة شهرياً.
في هذا السياق، يحاول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي تبرير شعور الناس بالغلاء بالقول إنّ «الأمر يرجع إلى ضعف القدرة الشرائية لا إلى ارتفاع الأسعار بحدّ ذاته». ويعتبر أنّ ارتفاع الأسعار بنسبة صغيرة تُراوح بين 2 و3% يُعدّ طبيعياً وليس موجة غلاء، لأنّ الأسعار تتغيّر دائماً ولا تبقى ثابتة. هذه التقلبات تحصل لأسباب مختلفة، مثل ارتفاع السعر في بلد المنشأ، أو تغيّر كلفة النقل والمحروقات، أو فرض ضرائب جديدة، من دون وجود سبب واحد محدّد.
وإلى جانب ضعف القدرة الشرائية للناس، يلفت بحصلي إلى عامل آخر يجعل الأسعار في لبنان حسّاسة لأي تبدّل خارجي، وهو «اعتماد الاقتصاد الغذائي على الاستيراد بشكل كلّي». ويشرح أنّ لبنان «يستورد نحو 85% من حاجاته الغذائية. حتى ما يُصنّع محلياً يعتمد على مواد أولية مستوردة». على سبيل المثال، يظن البعض أنّ معلبات الخضار ناتجة من الزراعة اللبنانية، إلا أنّها تأتي بمعظمها من الخارج ويتم تعليبها في لبنان، إضافة إلى الزيوت والمكونات الأساسية التي تستورد من أسواق عالمية». لذا، يصبح لبنان سوقاً متقلبة، تتأثر تلقائياً بأي تبدّل في سعر اليورو، أو في كلفة الشحن، أو في سلاسل الإمداد الدولية، حتى لو كانت السلع النهائية تحمل ملصق «صنع في لبنان».
إذاً، وبغضّ النظر عن النسبة والأسباب، فالنتيجة واحدة، الغلاء أمر واقع. والأسواق لم تعد تُقاس بالمؤشرات الفنية، بل بالقدرة الاستهلاكية للناس. فبينما يجزم البعض أنّ الزيادة لا تتخطّى نسبة 5%، يؤكد أحد موزّعي المواد الغذائية أنّ الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير. وفي حديث إلى الأخبار يؤكد الموزع أنّه «من غير الدقيق القول إن الأسعار ارتفعت بنسب قليلة.
نحن نلحظ زيادة تقارب 10% على معظم الأصناف في الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية». أسعار كلّ شيء ارتفعت، يقول، المياه، المعلبات، الحبوب… كلّها سجّلت ارتفاعات واضحة. ويشير إلى أنّ نسبة 5% في زيادة الأسعار كانت صحيحة قبل ثلاثة أشهر، لاحقاً أصبحت 7%، واليوم وصلت إلى نحو 10%. وبحسب اعتقاده «القول بعكس ذلك، لا يعكس الواقع الفعلي للسوق». وفي هذا السياق يشير حمود إلى أنّ «أسعار الدجاج سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة»، معيداً السبب إلى «ارتفاع تكلفة العلف والنقل والمستلزمات التشغيلية للمزارع».
200 دولار شهرياً لعائلة من أربعة أفراد!
لذا، تقلصت السلة الغذائية للعائلات، وباتت أصغر، وتركّز على الضروريات. مثلاً، حافظت سلع على حضورها في السلّة الشهرية كالأرز، والمعكرونة، والزيت، والحبوب، والسكر، والحليب، ومنتجات التنظيف الأساسية، وبعض الخضروات والفواكه المحلية التي تكون بأسعار مناسبة، وتناسب الدخل الشهري. أما السلع التي أصبح الطلب عليها قليلاً، أو شبه معدوم، فهي السلع الكمالية، أو ذات الأسعار المرتفعة والمنتجات المستوردة الفاخرة، وبعض الحلويات، إذ يفضل المستهلكون تقليل شرائها أو الاستغناء عنها تماماً.
بمعنى آخر، تراجع الاستهلاك لم يكن نتيجة نقص في السلع أو تقنين في الاستيراد، بل نتيجة عجز مالي فرض إعادة تعريف الأولويات، بالإضافة إلى الحالة الضبابية التي يعيش في دوامتها المواطن جراء الوضع الأمني الراهن، ما يجعله أكثر انتقائية في أسلوبه الاستهلاكي.
في هذا السياق، يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة أنّ «العائلة اللبنانية لا تشتري اليوم سوى المواد الأساسية، ما يعني أنّها تحتاج إلى نحو 200 دولار شهرياً لتأمين غذائها، أي بمعدل 50 دولاراً للفرد».
وبهذا المبلغ تخرج السلع الكمالية من دائرة الشراء، وتضيق خيارات المواد الغذائية، ما يحدّ من التنويع الغذائي الذي اعتادت عليه الأسر قبل الأزمة. ورغم توافر السلع الفاخرة في الأسواق، إلا أنّ فاتورة استهلاكها باتت خارج قدرة شرائح واسعة من محدودي الدخل.
ويصبح المشهد أكثر وضوحاً لدى مقارنة قيمة فاتورة المواد الغذائية الأساسية بسبب الغلاء بالحد الأدنى الرسمي للأجور في القطاع الخاص البالغ 28 مليون ليرة، أي 312 دولاراً شهرياً. فالأسرة التي تتلقى الحد الأدنى أو أكثر بقليل لا تستطيع تغطية أبسط حاجاتها الغذائية. وحتى من يتقاضى ضعف هذا المبلغ سيجد نفسه أمام فاتورة استهلاك تتضخم شهراً بعد شهر، ما ينعكس على سلّته الغذائية ويقلصها. وبهذا، تتحوّل «الزيادة البسيطة»، بحسب التجار إلى عبء فعلي بسبب غياب القدرة على مجاراته.
سلوك استهلاكي جديد!
فرض واقع الغلاء المستمر تغييرات ملحوظة داخل المتاجر. بحسب الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة، «الزبائن باتوا يستبدلون الماركات المعروفة بماركات محلية أو بعلامات خاصة مرتبطة بالسوبر ماركت، لكون أسعارها أقل وجودتها التنافسية أعلى».
هذا التحوّل لم يعد خياراً تجارياً، بل ضرورة مالية. فالسوق يشهد انتقالاً واسعاً من السلع المستوردة ذات الكلفة المرتفعة إلى منتجات محلية قادرة على الاستفادة من انخفاض كلفة التصنيع الداخلي مقارنة بالاستيراد.
كما يكشف أصحاب المتاجر أيضاً عن توجه الزبائن لتقليص الاستهلاك، إذ يشتري الزبون وحدات أقل من كل منتج. على سبيل المثال، «بدل ثلاث عبوات منظّفات، يشتري عبوة واحدة. وبدل نوعين من الفاكهة، يفضل اختيار نوع واحد. وبدل شراء ما يكفي لشهر، يشتري ما يكفي لأسبوع».
النقص أو الانقطاع في السلع
يؤكّد الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة، «لا يوجد انقطاع في السلع». ويضيف «المخزون يكفي نحو 30 يوماً، مقابل 45 يوماً سابقاً»، معيداً السبب إلى «التشدد الجمركي المتبع في المدة الأخيرة، والذي ينعكس تأخيراً في تخليص البضائع، ولكن لا يوجد انقطاع كلّي للسلع، أو مخاوف من فقدان بعضها». وهنا يشير نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إلى أنّ «حركة الاستيراد تسجّل نشاطاً ملحوظاً في هذه المدة، ليس لتغطية الطلب الحالي فقط، بل استعداد للمواسم المقبلة». ويقول إنّ «التجار بدؤوا بوضع طلبيات عيد الميلاد ورأس السنة منذ أسابيع، وهناك سلع لا تحتاج إلى تبريد وصلت بالفعل إلى الأسواق، فيما تصل السلع الطازجة في مواعيدها لاحقاً». والتحضير لا يقتصر على موسم الأعياد، وفقاً لبحصلي، بل «يشمل أيضاً حاجات شهر رمضان في شباط المقبل، وعيد الفصح الذي يحتاج بدوره إلى مجموعة من المعلّبات والمنتجات التي تطلب عادةً بشكل مسبق». ووفقاً لبحصلي، تشكّل هذه المرحلة ذروة النشاط اللوجستي لدى المستوردين.
زينب بزي- الأخبار
ارتفعت أسعار المواد الغذائية، والزيادة لا تقتصر على «هامش بسيط» وفقاً لكلام أصحاب السوبر ماركت. بحسب بعض الموزّعين، وصلت نسبة غلاء بعض السلع الغذائية الأساسية إلى حدود 10%. وهذه النسبة لا يمكن التعامل معها كأمر عابر، خصوصاً أنّ الحديث لا يدور حول الأسعار بالليرة اللبنانية، بل على سلع أسعارها مدولرة بشكل كامل. أي إن ارتفاع الأسعار هو بالدولار، وهذا ما انعكس على القدرة الاستهلاكية للأسر التي أظهرت تدنياً واضحاً في السوبر ماركت، فضلاً عن تغيّر السلوك الاستهلاكي.
رغم تأكيد المستوردين أنّ التقلبات في الأسعار «طبيعية»، إلا أنّ فواتير السوبر ماركت تشير إلى تغيّر واضح في أسعار بعض المواد الأساسية، مثل الزيت والسكر والأرز. ويعكس السلوك الاستهلاكي للناس توجهاً إلى تخفيف الاستهلاك والاقتصار في التسوق على شراء المواد الأساسيّة. فالقوة الشرائية لم تعد قادرة على امتصاص أيّ زيادة في الأسعار، ولو كانت بضعة سنتات.
على مستوى التغيّر في الأسعار، يشير مالك سوبر ماركت «العاملية» في الضاحية الجنوبية يوسف حمود إلى أنّ الأسعار شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعات تراوحت بين 2% و5% وفقاً لنوع السلعة ومصدرها، موضحاً أنّ بعض السلع مثل الزيوت النباتية ارتفعت بنسب تراوحت من 5% إلى 10% بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وكلفة الشحن. ورغم أنّ «هذا الارتفاع يبقى محدوداً تقنياً»، يقول حمود، إلا أنّ هذه النسبة تعدّ غلاءً، والمستهلك يشتري اليوم أقل مما كان يشتريه قبل الأزمة.
بهذا المعنى، باتت نسبة الغلاء تفصيلاً. فحتى الزيادات «البسيطة» بنظر التجار والمستوردين تُقتطع من المداخيل الشهرية للناس، وهذه المداخيل فقدت أيّ هامش لاستيعاب الزيادات على فاتورة الاستهلاك. بمعنى آخر، تتضاعف فاتورة الاستهلاك بتضاعف حجم السلّة الغذائية الأساسية. مثلاً، علبة الزيت التي ارتفع سعرها دولاراً واحداً، أو كيلو الأرز الذي زاد بضعة سنتات، يتحوّل إلى تكلفة ملموسة عندما يُضرب بعشرات السلع التي تستهلكها الأسرة شهرياً.
في هذا السياق، يحاول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي تبرير شعور الناس بالغلاء بالقول إنّ «الأمر يرجع إلى ضعف القدرة الشرائية لا إلى ارتفاع الأسعار بحدّ ذاته». ويعتبر أنّ ارتفاع الأسعار بنسبة صغيرة تُراوح بين 2 و3% يُعدّ طبيعياً وليس موجة غلاء، لأنّ الأسعار تتغيّر دائماً ولا تبقى ثابتة. هذه التقلبات تحصل لأسباب مختلفة، مثل ارتفاع السعر في بلد المنشأ، أو تغيّر كلفة النقل والمحروقات، أو فرض ضرائب جديدة، من دون وجود سبب واحد محدّد.
وإلى جانب ضعف القدرة الشرائية للناس، يلفت بحصلي إلى عامل آخر يجعل الأسعار في لبنان حسّاسة لأي تبدّل خارجي، وهو «اعتماد الاقتصاد الغذائي على الاستيراد بشكل كلّي». ويشرح أنّ لبنان «يستورد نحو 85% من حاجاته الغذائية. حتى ما يُصنّع محلياً يعتمد على مواد أولية مستوردة». على سبيل المثال، يظن البعض أنّ معلبات الخضار ناتجة من الزراعة اللبنانية، إلا أنّها تأتي بمعظمها من الخارج ويتم تعليبها في لبنان، إضافة إلى الزيوت والمكونات الأساسية التي تستورد من أسواق عالمية». لذا، يصبح لبنان سوقاً متقلبة، تتأثر تلقائياً بأي تبدّل في سعر اليورو، أو في كلفة الشحن، أو في سلاسل الإمداد الدولية، حتى لو كانت السلع النهائية تحمل ملصق «صنع في لبنان».
إذاً، وبغضّ النظر عن النسبة والأسباب، فالنتيجة واحدة، الغلاء أمر واقع. والأسواق لم تعد تُقاس بالمؤشرات الفنية، بل بالقدرة الاستهلاكية للناس. فبينما يجزم البعض أنّ الزيادة لا تتخطّى نسبة 5%، يؤكد أحد موزّعي المواد الغذائية أنّ الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير. وفي حديث إلى الأخبار يؤكد الموزع أنّه «من غير الدقيق القول إن الأسعار ارتفعت بنسب قليلة.
نحن نلحظ زيادة تقارب 10% على معظم الأصناف في الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية». أسعار كلّ شيء ارتفعت، يقول، المياه، المعلبات، الحبوب… كلّها سجّلت ارتفاعات واضحة. ويشير إلى أنّ نسبة 5% في زيادة الأسعار كانت صحيحة قبل ثلاثة أشهر، لاحقاً أصبحت 7%، واليوم وصلت إلى نحو 10%. وبحسب اعتقاده «القول بعكس ذلك، لا يعكس الواقع الفعلي للسوق». وفي هذا السياق يشير حمود إلى أنّ «أسعار الدجاج سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة»، معيداً السبب إلى «ارتفاع تكلفة العلف والنقل والمستلزمات التشغيلية للمزارع».
200 دولار شهرياً لعائلة من أربعة أفراد!
لذا، تقلصت السلة الغذائية للعائلات، وباتت أصغر، وتركّز على الضروريات. مثلاً، حافظت سلع على حضورها في السلّة الشهرية كالأرز، والمعكرونة، والزيت، والحبوب، والسكر، والحليب، ومنتجات التنظيف الأساسية، وبعض الخضروات والفواكه المحلية التي تكون بأسعار مناسبة، وتناسب الدخل الشهري. أما السلع التي أصبح الطلب عليها قليلاً، أو شبه معدوم، فهي السلع الكمالية، أو ذات الأسعار المرتفعة والمنتجات المستوردة الفاخرة، وبعض الحلويات، إذ يفضل المستهلكون تقليل شرائها أو الاستغناء عنها تماماً.
بمعنى آخر، تراجع الاستهلاك لم يكن نتيجة نقص في السلع أو تقنين في الاستيراد، بل نتيجة عجز مالي فرض إعادة تعريف الأولويات، بالإضافة إلى الحالة الضبابية التي يعيش في دوامتها المواطن جراء الوضع الأمني الراهن، ما يجعله أكثر انتقائية في أسلوبه الاستهلاكي.
في هذا السياق، يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة أنّ «العائلة اللبنانية لا تشتري اليوم سوى المواد الأساسية، ما يعني أنّها تحتاج إلى نحو 200 دولار شهرياً لتأمين غذائها، أي بمعدل 50 دولاراً للفرد».
وبهذا المبلغ تخرج السلع الكمالية من دائرة الشراء، وتضيق خيارات المواد الغذائية، ما يحدّ من التنويع الغذائي الذي اعتادت عليه الأسر قبل الأزمة. ورغم توافر السلع الفاخرة في الأسواق، إلا أنّ فاتورة استهلاكها باتت خارج قدرة شرائح واسعة من محدودي الدخل.
ويصبح المشهد أكثر وضوحاً لدى مقارنة قيمة فاتورة المواد الغذائية الأساسية بسبب الغلاء بالحد الأدنى الرسمي للأجور في القطاع الخاص البالغ 28 مليون ليرة، أي 312 دولاراً شهرياً. فالأسرة التي تتلقى الحد الأدنى أو أكثر بقليل لا تستطيع تغطية أبسط حاجاتها الغذائية. وحتى من يتقاضى ضعف هذا المبلغ سيجد نفسه أمام فاتورة استهلاك تتضخم شهراً بعد شهر، ما ينعكس على سلّته الغذائية ويقلصها. وبهذا، تتحوّل «الزيادة البسيطة»، بحسب التجار إلى عبء فعلي بسبب غياب القدرة على مجاراته.
سلوك استهلاكي جديد!
فرض واقع الغلاء المستمر تغييرات ملحوظة داخل المتاجر. بحسب الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة، «الزبائن باتوا يستبدلون الماركات المعروفة بماركات محلية أو بعلامات خاصة مرتبطة بالسوبر ماركت، لكون أسعارها أقل وجودتها التنافسية أعلى».
هذا التحوّل لم يعد خياراً تجارياً، بل ضرورة مالية. فالسوق يشهد انتقالاً واسعاً من السلع المستوردة ذات الكلفة المرتفعة إلى منتجات محلية قادرة على الاستفادة من انخفاض كلفة التصنيع الداخلي مقارنة بالاستيراد.
كما يكشف أصحاب المتاجر أيضاً عن توجه الزبائن لتقليص الاستهلاك، إذ يشتري الزبون وحدات أقل من كل منتج. على سبيل المثال، «بدل ثلاث عبوات منظّفات، يشتري عبوة واحدة. وبدل نوعين من الفاكهة، يفضل اختيار نوع واحد. وبدل شراء ما يكفي لشهر، يشتري ما يكفي لأسبوع».
النقص أو الانقطاع في السلع
يؤكّد الرئيس التنفيذي لشركة المخازن وضاح شحادة، «لا يوجد انقطاع في السلع». ويضيف «المخزون يكفي نحو 30 يوماً، مقابل 45 يوماً سابقاً»، معيداً السبب إلى «التشدد الجمركي المتبع في المدة الأخيرة، والذي ينعكس تأخيراً في تخليص البضائع، ولكن لا يوجد انقطاع كلّي للسلع، أو مخاوف من فقدان بعضها». وهنا يشير نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إلى أنّ «حركة الاستيراد تسجّل نشاطاً ملحوظاً في هذه المدة، ليس لتغطية الطلب الحالي فقط، بل استعداد للمواسم المقبلة». ويقول إنّ «التجار بدؤوا بوضع طلبيات عيد الميلاد ورأس السنة منذ أسابيع، وهناك سلع لا تحتاج إلى تبريد وصلت بالفعل إلى الأسواق، فيما تصل السلع الطازجة في مواعيدها لاحقاً». والتحضير لا يقتصر على موسم الأعياد، وفقاً لبحصلي، بل «يشمل أيضاً حاجات شهر رمضان في شباط المقبل، وعيد الفصح الذي يحتاج بدوره إلى مجموعة من المعلّبات والمنتجات التي تطلب عادةً بشكل مسبق». ووفقاً لبحصلي، تشكّل هذه المرحلة ذروة النشاط اللوجستي لدى المستوردين.
زينب بزي- الأخبار