المودعون والمصارف "المصيبة بتجمع" -- Nov 10 , 2025 11
يتعرّض اللبنانيون في هذه الحقبة لعملية تضليل خطيرة، من خلال الإيحاء بأن معالجة مشكلة الودائع، يمكن إنجازها بأسلوب كلاسيكي تعتمده بعض البنوك المركزية في مواجهة أزمات مصارف، تتعرّض لخسائر ناتجة عن أخطاء أو ارتكابات، تستوجب تجفيف أموالها، وتصفيتها أو إلزام المساهمين بضخ أموال جديدة لإعادة إحيائها، والبقاء في السوق.
هذا المفهوم يدعمه صندوق النقد الدولي، تحت عنوان، مساواة المصارف بالمودعين. طبعًا، لا يمكن الاعتراض على المساواة، لكن لماذا علينا أن نعتمد مبدأ "ظلم بالسوية عدل في الرعية"، إذا كان في قدرتنا أن نتبنى مبدأ "حقوق بالسوية"؟الإشكالية هنا، أن ما يقصده صندوق النقد بالمساواة، يقضي على آمال المودعين باستعادة أموالهم، من خلال ضرب القطاع المصرفي برمّته. وقد بات معلومًا، أن قسمًا من المودعين سيواجه واقعًا مريرًا مع إرساء الحلّ، لأن هناك عددًا من المصارف قد لا يكون قادرًا على تنفيذ الالتزامات التي يتطلّبها الحلّ. وبالتالي، لن يتمكّن المودعون في هذه المصارف من الحصول على القدر نفسه من الأموال التي سيحصل عليها المودعون في مصارف قادرة على تلبية احتياجات الحلّ، والاستمرار في العمل.
ما يطرحه صندوق النقد عمليًا، هو تصفية كلّ المصارف، ومساواة المودعين جميعًا، من خلال حرمانهم من إمكانية الحصول على حقوقهم، ولو في فترة زمنية طويلة. وهكذا تكون المساواة هنا، تمّت على طريقة بعض الأنظمة التي تعمد إلى إفقار كلّ الناس لضمان المساواة.
الجانب الآخر من هذه الأزمة الخطيرة، أن أصواتًا بدأت ترتفع، عن جهل أو قصد، تطالب بتصفية القطاع المصرفي اللبناني، والإفساح في المجال أمام دخول مصارف أجنبية إلى البلد، لملء الفراغ ودعم الاقتصاد.
من الناحية العملية، تنبغي الإشارة إلى أن المصارف الأجنبية لم تكن يومًا ممنوعة من العمل في السوق اللبنانية. لكن خروجها من لبنان، والذي تمّ قبل الانهيار بسنوات، إنما كان بسبب تراجع التصنيف الائتماني للبلد، وتغيّر معايير الحوكمة والامتثال العالمية، حيث أصبحت المصارف الأجنبية المتواجدة في لبنان، مضطرّة إلى حجز مؤونات إضافية مقابل كلّ قرض أو ائتمان في السوق اللبنانية. بالإضافة إلى مخاطر التبييض التي تستوجب أكلافًا إضافية لضمان الحوكمة والامتثال، من دون التقليل من حجم المخاطر.
هذه الحقائق دفعت المصارف الأجنبية إلى مغادرة السوق اللبنانية تباعًا. والسؤال، هل توجد مصارف أجنبية مستعدّة للقدوم إلى لبنان للعمل في السوق المحلية؟
الجواب، طبعًا لا. وبالتالي، من يدّعي أنه يمكن استدعاء مصارف أجنبية إلى البلد، إمّا واهم، وإما يروّج عن سوء نية لأفكار مطروحة منذ حكومة حسّان دياب. وما يقصده هؤلاء استدعاء سياسي لمصارف، على الأرجح عربية، تتخذ قراراتها الاستثمارية بناء على قرارات تتخذها السلطات السياسية، ولا علاقة لهذه القرارات بالحسابات الاستثمارية التجارية، وحسابات الربح والخسارة. هذه المصارف تعكس سيطرة سياسية على القرار المالي في البلد، وهي تستمرّ أو تنسحب بناء على مصالح الدول التي تمثلها، وبقرار تتخذه السلطة السياسية في هذه الدول. فهل هذا ما يسعى إليه من يروّج لقدوم مصارف أجنبية إلى البلد؟
من دون لف ودوران، المطلوب حماية المودعين وضمان استمرارية القطاع المصرفي اللبناني، ومن ثمّ تأمين المناخات المناسبة لجذب الاستثمارات والمصارف الأجنبية وسواها. وكل ما عدا ذلك، تخبيص خارج الصحن.
أنطوان فرح - نداء الوطن