السرية المصرفية رُفعت.. فهل تكشف المرتكبين؟

السرية المصرفية رُفعت.. فهل تكشف المرتكبين؟ -- Apr 28 , 2025 1

بإقرار مجلس النواب التعديلات المقترحة على قانون السرية المصرفية، يكون لبنان قد طوى صفحة من العمل المصرفي المحمي بالسرية التي تجاوز عمرها سبعة عقود، وفتح صفحة جديدة من المحاسبة فرضتها الأزمة المالية والمصرفية منذ عام ٢٠١٩، وتعذر احتواء تداعياتها بسبب تمنع السلطات السياسية والمالية مدعومة بلوبي مصرفي قوي، عن اتخاذ الإجراءات المناسبة والمطلوبة في ظروف استثنائية كتلك السائدة اليوم.


يكتسب هذا القانون أهمية خاصة لأنه سيتيح فتح الملفات المغلقة على نحو يسمح بتبيان أين صُرفت الأموال المودعة لدى المصرف المركزي، كما سيسمح بكشف حجم الأموال المهربة إلى الخارج، والجهات التي استفادت من الهندسات المالية والفوائد الخيالية، وخصوصاً أن البرلمان عدّل مهلة المفعول الرجعي التي كانت تعود إلى العام ٢٠٢٢ لتصبح لمدة عشر سنوات، أي أنها تبدأ عملياً من العام ٢٠١٥، قبل بدء الأزمة.

خضع القانون لبعض التعديلات المهمة، إذ إنه ناط صلاحيات التحقيق بلجنة الرقابة على المصارف والمصرف المركزي، فبات يحق لهما رفع السرية كليا بما يتيح رصد الحسابات المشكوك في أمرها والتدقيق في موجودات المصارف، تمهيداً لمرحلة تقييم المصارف القادرة على البقاء وتلك الآيلة إلى التصفية.

والواقع أن التعديلات التي أقرتها الحكومة على قانون السرية المصرفية ستعبّد الطريق أمام إعادة هيكلة المصارف.

وكان لافتاً طابع العجلة الذي أُقر به القانون، اذ لم يستغرق إعداده وإقراره في مجلس الوزراء أكثر من أسبوعين حتى أقر في المجلس بأكثرية ٧٨ نائباً، ليوقّعه في اليوم عينه رئيس الجمهورية تمهيداً لنشره في الجريدة الرسمية.


في المعلومات المتوافرة، أصبح واضحاً حجم الضغط الذي يمارسه صندوق النقد الدولي على لبنان لإنجاز هذا القانون. وقد بلغ حده الأقصى عندما طُلب إلى وزير المال ياسين جابر الموجود في واشنطن للمشاركة في اجتماعات الربيع للصندوق، لحظ جملة تعطي مصرف لبنان ولجنة الرقابة صلاحيات الكشف على الحسابات مع الخبراء المعنيين. وبالفعل، تم تداول التعديل المقترح عبر الواتساب قبل الدخول إلى الجلسة، ليصار لاحقاً إلى اعتماده في النص المعدل. وكانت المفارقة أن النواب رفضوا طلب الرئيس نبيه بري المصادقة على القانون، داعين إلى التصويت برفع الأيدي، ليصوتوا بالموافقة، في رسالة واضحة إلى الخارج مؤداها أن النواب لم يقفوا في وجه القانون!

واللافت أن ما وافق عليه النواب اليوم كانوا رفضوه وعارضوه بشدة سابقا، على قاعدة تخوفهم من مخاطر رفع السرية المصرفية وما يمكن أن يكشفه إذا تم تنفيذه بالفعل.

وبالنظر عن كثب إلى هذا القانون، وبعده مشروع إعادة الهيكلة المتوقع أن يسلك طريقه قريباً، تمثل عملية إعادة هيكلة لصلاحيات مصرف لبنان أيضا من خلال نقلها تدريجاً إلى وزارة المال، ومنح لجنة الرقابة على المصارف حيّزا أكبر داخلياً بدور مزدوج، هو الادعاء والحكم!


جلّ ما يهمّ اللبنانيين اليوم هو معرفة المكاسب التي ستحققها لهم هذه القوانين على صعيد تحديد الخسائر المالية والمسؤولين عنها، تمهيداً لتوزيعها بين الجهات المعنية، على نحو يتيح إعادة ما يمكن إعادته من الودائع لأصحابها. وعلمت “النهار” أن حاكم المصرف المركزي كريم سعيد بدأ العمل على خطة عملية لإعادة الودائع تدريجاً، كان أعلن التزامها في خطابه لدى تسلمه مهماته على رأس الحاكمية.

على خط مواز، أكدت مصادر رسمية أن قانون رفع السرية وُضع وأقرّ من أجل أن ينفذ، ولن يبقى حبراً على ورق، مشيرة إلى أن المصارف التي كانت تضغط بقوة لمنع إقراره تكيفت مع الموضوع بعدما بدأت منذ إعادة تكوين السلطة الجديدة العمل على تصحيح أوضاعها. فالبقاء في المنطقة الرمادية التي هي فيها منذ اندلاع الأزمة قبل ستة أعوام لم يعد لمصلحتها، وإن العصا الغليظة للخارج قد بدأت تؤتي ثمارها داخلياً في ظل القرار السياسي بالانتقال من مرحلة إدارة الأزمة، عبر إطالة أمدها إلى مرحلة معالجتها وختم ملفها!

سابين عويس- النهار

أقرأ أيضاَ

تقرير جمعية المصارف: رؤية واقعية لإعادة الهيكلة

أقرأ أيضاَ

المصارف التي ضغطت لمنع إقرار السرية المصرفية تراجعت... فهل يُكشف المرتكبون؟!