فتح الباب أمام إعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر -- Aug 08 , 2025 8
بعد سنوات من الجدل القانوني والفراغ التشريعي في الإيجارات غير السكنيّة الخاضعة للقوانين الاستثنائية، أقرّ مجلس النوّاب اللبناني تعديلات على القانون رقم 11 الصادر بتاريخ 12 حزيران 2025، ما فتح الباب أمام إعادة تنظيم العلاقة بين المالكين والمستأجرين في هذا القطاع.
وتضمّنت التعديلات التي جرى التصويت عليها في الجلسة التشريعيّة الأخيرة، مجموعة من البنود التي تستحقّ التوقّف عندها، ومنها خفض بدل المثل من 8% إلى 5%، وتمديد مدّة تحرير العقود من 4 إلى 8 سنوات، وتقسيم المستأجرين إلى أربع فئات وفق سياق العقود السابقة، الفئة الأولى بعقود نظاميّة، وتمدّد تلقائيًا خمس سنوات، والفئة الثانية أو فئة المستأجرين الذين دفعوا "الخلو" قبل 2015 وتُمدد إيجاراتهم ستّ سنوات، والفئة الثالثة وهم مَن دفعوا "الخلو" بعد 2015 تمتدّ عقودهم سبع سنوات، وتبقى الفئة الرابعة وتشمل المستأجرين من الدولة والمهن الحرّة القائمة على مؤسّسة تجاريّة (مثل الصيادلة) وتمتدّ عقودهم ثماني سنوات.
أما بخصوص الزيادات التصاعديّة على بدل الإيجار بحسب الفئة: الفئتان الأولى والثانية، 30% و40% و50% في السنوات الثلاث الأولى ويصبح بعدها بدل الإيجار موازيًا لقيمة بدل المثل، أما الفئتان الثالثة والرابعة، فـ30% و40% و50% و60% وتصبح بعدها البدلات موازية أيضًا لقيمة بدل المثل في السنوات التمديديّة اللاحقة.
وتمّ إلغاء إمكان منح المؤجّر مهلة سنتين كتسامح إضافي قبل استرداد المأجور مقابل تقدّم تنازلي؛ أي لم يعد المالك مخيّرًا بأن يتنازل عن الزيادة مقابل تمكينه من الإخلاء خلال هذه المدة.
هذه التعديلات جاءت وفق خبراء كتسوية سياسيّة أكثر منها حلًا قانونيًا عادلاً، فالخوف من تبعات اجتماعيّة واقتصاديّة محتملة دفع المشرّع إلى ترجيح كفّة المستأجر مجدّدًا في بعض البنود، على رغم وضوح الخلل التاريخي اللاحق بالمالكين. ومع أنّ الإقرار في حقّ المالك في استعادة ملكه لا لبس فيه دستوريًا وحقوقيًا، إلا أنّ الشروط والمهل والتعويضات أعادت إنتاج التمديد بصيغة مغلّفة قانونيًا.
هل نحن أمام تسوية اجتماعيّة؟
في تقييمها للمشهد القانوني، ترى المحامية نور بوعبّود أنّ "المشرّع اختار التسوية على حساب العدالة والتوازن"، معتبرةً أنّ "التعديلات جاءت لتجنّب ردّات فعل اجتماعيّة أكثر منها لتصحيح خلل تاريخي في حقوق الملكيّة". وتضيف بوعبّود للدّيار: "ما زال المالك يخضع لقوانين استثنائيّة تُكبّل حقّه الطبيعي في التصرّف بمأجوره، بينما يُمنح المستأجر مزيدًا من الحماية، على رغم مرور عقود على العقود الأصليّة، وهذا الوضع ينتج منه خللٍ بين المستأجرين أنفسهم، القدامى والجدد، وتمييز في العقود بين الخاضعة للقانون 92/159 والخاضعة للقوانين الاستثنائيّة".
وعن التعديلات القانونية لفتت بوعبود إلى أنّ المشترع "أبقى في التعديلات على التناقص الوارد في المادة الرابعة من القانون، ولكن هذه المرّة، بمعدّل الخمس والسدس والسبع والثمن عن كلّ سنة انقضت من الفترة التمديديّة وفقًا لكلّ حالة من الحالات المذكورة من القانون"، كما "أبقى جميع الدعاوى المقدّمة قبل نفاذ القانون خاضعة لأحكام القوانين النافذة التي أقيمت في ظلّها".
ونصحت بوعبود المالكين والمستأجرين "بالاتفاق رضاءً حول الزيادة على البدلات، وإلا بقي خيار تقديم استحضار أو عريضة مشتركة أمام القاضي المنفرد الناظر بدعاوى الإيجارات الذي يقع المأجور ضمن نطاق صلاحيّاته قائمًا من أجل تحديد بدل المثل قضاءً، والآلية مفصّلة في المادة الخامسة من القانون، مع إمكان استئناف القرار خلال مهلة ثمانية أيّام من تاريخ التبليغ ويكون قرارها مبرمًا وغير قابل لأيّ طريق من طرق الطعن العاديّة أو غير العاديّة".
من جهته، عبّر رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة، باتريك رزق الله، عن "استياء شديد من التعديلات التي تمّ إقرارها"، مشدّدًا على أنّ "المالكين كانوا ينتظرون تشريعًا يُعيد إليهم جزءًا من حقّهم التاريخي، لا أن يُضاف المزيد من العراقيل أمام استعادة أبسط حقوقهم".
واعتبر "أنّ التعديلات الأخيرة لا توازي حجم المعاناة التي تكبّدها المالكون منذ أربعين سنة، ولا تعكس حجم الخسائر الناتجة من التمديد القسري لعقود يُفترض أنّها انتهت منذ سنوات طويلة"، رافضًا "الحديث عن حقوق مكتسبة للمستأجر في ظل قوانين استثنائيّة وظروف غير طبيعيّة".
وشدّد رزق الله على "التمسّك بالدستور وبحقّ الملكيّة الفرديّة"، معتبرًا "أنّ الممارسات التشريعيّة، وخصوصًا التعديلات الأخيرة، طالما شكّلت وتشكّل انتهاكًا صارخًا لهذا الحقّ، ويجب أن يُنظر إليه كقضيّة حقوقيّة قبل أن يكون مجرّد خلاف قانوني".
مارينا عندس - الديار