الصناعة جنوباً: العدوان مستمرّ

الصناعة جنوباً: العدوان مستمرّ -- Aug 20 , 2025 5

لم تتعرّض الغالبية العظمى من القطاع الصناعي اللبناني للتدمير المباشر نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية في الحرب الأخيرة على لبنان، إذ إن الأضرار تركّزت في مناطق محدّدة، وصفت بـ«المثلّث الناري» الذي يشمل أقضية صور ومرجعيون وبنت جبيل، إنما بسبب الترابط المحلي الوثيق بين الأنشطة الصناعية وسلاسل التوريد والتبادل التجاري مع الخارج، امتدّ أثر توقف الصناعة في محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي، بسبب العدوان الإسرائيلي، إلى قطاعات أخرى مسبّباً حالات شلل راوحت من جزئي إلى كلّي.

 

إنما الأكثر وضوحاً، هو أن الاعتداءات الإسرائيلية على مصانع الجنوب هي العنصر المستجدّ في سياق تاريخ من الإهمال والاعتداءات السلطوية على التنمية أصابت اقتصاد الجنوب الذي بات يعتمد بشكل مفرط على هجرة أبنائه فيما أصبح من تبقّى مكشوفاً على مخاطر العدوان الإسرائيلي المتواصل.


هذه خلاصة دراسة أعدّها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بعنوان «التوزّع الجغرافي للصناعة اللبنانية ومخاطر الاعتداءات الإسرائيلية». واستندت الدراسة إلى مؤشّر مركّب أسمته «CEI» أو «مؤشر التعرّض للاعتداءات الإسرائيلية»، الهادف إلى قياس «حدّة الصدمة الاقتصادية المحتملة» عبر تحليل مخاطر التركّز الجغرافي الصناعي في المناطق التي تعرّضت للاستهداف، لقياس مستوى تأثيرها.



وقد بنيت الدراسة على معطيات مصدرها وزارة الصناعة ومفادها أن في محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي 651 مصنعاً تحويلياً من أصل 5527 مصنعاً في لبنان (11.7%) مقابل تركّز صناعي في محافظة جبل لبنان التي تضمّ أكثر من نصف مصانع لبنان، تليها منطقة البقاع. كذلك، تشير المعطيات إلى وجود تركّز في قطاعات صناعية فرعية في الجنوب، إذ تشكّل الصناعات الغذائية 30% من مجمل المصانع الغذائية في لبنان.


ويعود هذا التركّز إلى الطبيعة الزراعية للمناطق حيث تتوافر المواد الخام اللازمة لهذا النوع من الصناعات، فتنتشر معامل الألبان والأجبان، ومعاصر الزيتون، ومطاحن الحبوب.

 

وتلي الصناعات الغذائية صناعة مواد البناء، من المقالع ومعامل الحجارة والإسمنت، وتصل نسبتها من إجمالي عدد المصانع الجنوبية إلى 18%، وهي التي عانت من حجم الخسارة الأكبر نظراً إلى استهدافها عن قصد، ما أدّى إلى هروب العمال.



وتشكّل مصانع البلاستيك 13% من المصانع الجنوبية، كما تنتشر في قرى معيّنة الصناعات الخشبية القائمة على النجارة، فضلاً عن صناعة المنسوجات والملبوسات.


وخلصت الدراسة إلى أنه في الجنوب المنكوب صناعياً، سجّلت محافظة النبطية أعلى قيمة مطلقة لمؤشر «CEI» (مؤشر التعرّض للاعتداءات الإسرائيلية) في كلّ مراحل الحرب، ما يعكس تعرّضها المكثف والمباشر للأعمال العدائية طوال فترة الدراسة من 7 تشرين الأول 2023حتى 4 تموز 2025. أما محافظة لبنان الجنوبي، فسجّلت وفقاً للمؤشر نفسه تفاوتاً في حدّة الاعتداءات، والتي ارتفعت في ذروة الحرب، إنّما من دون أن تتوقف بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

 

قراءات المؤشّر، تكشف بشكل علمي ما كان معروفاً بشكل نظري قبل الحرب. ففي لبنان اعتماد مفرط على عدد محدود من القطاعات الاقتصادية، والمركزة في مناطق معيّنة هي تحت خطر الاستهداف بشكل دائم، وهو ما يجعل من اقتصاد هذه المناطق هشّاً.

لذا، تؤكّد النتائج ضرورة الاعتماد على نهج تنموي لا مركزي وحساس للمخاطر في لبنان. فالمركزية المفرطة في الاقتصاد تجعل البلاد كلّها رهينة استقرار منطقة واحدة، كما إنّ تجاهل الأطراف يزيد من هشاشتها ويجعلها عرضة للانهيار تحت وطأة الحروب والأزمات.

فعلى سبيل المثال، وجدت الدراسات أنّ هناك بلدات تعتمد بأكملها على مورد واحد كمعمل أو مقلع، ما يشلّ حياة سكانها عند أيّ طارئ.

لذا، أوصت الدراسة بضرورة إطلاق برامج دعم طارئة موجهة للمناطق الأكثر تعرضاً للاعتداءات وتشمل منح قروض ميسرة لإعادة التشغيل، وتهدف إلى تغطية نفقات الصيانة وإصلاح الأضرار، فالاستجابة السريعة حاسمة في بقاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من عدمه.


كما تخدم عملية إعادة تأهيل البنية التحتية، من طرقات وجسور وشبكات كهرباء ومياه، التجمعات الصناعية الحيوية في المناطق المستهدفة.

وفي مواجهة «اللا يقين الأمني»، لفتت الدراسة إلى أنّ «التخطيط للمخاطر الجيوسياسية يجب أن يصبح جزءاً من السياسة الصناعية الوطنية». وهو ما يتطلب تحولاً في العقلية المؤسساتية، فتركيز الصناعات في منطقة جغرافية واحدة يجعل الاقتصاد ككل عرضةً لخطر كارثي في حال توسع أيّ نزاع.

أي إنه يمكن التوسّع في طريقة مقاربة الدولة للمجتمعات في الأطراف، حيث يجب تقوية النسيج الاجتماعي والاقتصادي المحلي، عبر التدخل لتنمية المجتمع بتعليم الشباب وتوجيههم نحو مهن تحتاجها مناطقهم، على سبيل المثال، يمكن إطلاق برامج تأهيل لتعليم الشباب في الجنوب الصيانة الميكانيكية، وتصنيع الأغذية، ما يخلق عمالة ماهرة متعددة الاستخدام.

كيف تقاس الاعتداءات على المصانع؟
بهدف قياس حدّة الاعتداءات الإسرائيلية على منطقة معيّنة، قام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بتركيب مؤشر مركّب تحت اسم «Conflict Exposure Index أو CEI». و


ترتكز منهجية المؤشر إلى 5 خطوات رئيسية. في الخطوة الأولى تقسّم الاعتداءات إلى مراحل زمنية، مرحلة حرب الإسناد، مرحلة التصعيد الحربي الواسع، مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.

أما الخطوة الثانية، فتعطي أوزاناً نوعيةً لكلّ نوع من الأعمال العدائية، على سبيل المثال، تعطى الضربة الجوية 5 علامات، لأنها الأكثر تدميراً وتأثيراً على الأرواح والممتلكات، فيما يعطى إطلاق النار علامة واحدة.

ثمّ يحتسب مؤشر أولي لكلّ منطقة، وفيه مؤشران فرعيان وهما التكرار والشدّة، ما ينتج قيمة على المؤشر «CEI» لكلّ قرية في كلّ مرحلة.

من بعدها، يبنى مؤشر مركب للفترة الزمنية الكاملة (3 مراحل) بغية الحصول على صورة أشمل، عبر دمج المؤشرات الثلاثة، إنما بأوزان مختلفة جرى تقديرها وفقاً لشدّة التصعيد، فحصلت مرحلة التصعيد الحربي الواسع على الوزن الأكبر.

بعد الحصول على أرقام المؤشر «CEI» المخصصة لكلّ منطقة، يجري تحديد المنشآت الصناعية داخل المناطق المستهدفة، ما يؤدي إلى استخراج «الملف الصناعي للمناطق المعرضة للاعتداءات الإسرائيلية».


فؤاد بزي - الاخبار

أقرأ أيضاَ

خوفاً من الاوضاع الأمنية.. مصانع لبنانية توقف الانتاج

أقرأ أيضاَ

وزير الصناعة نشر تقريرا يسلّط الضوء على عيّنة من المصانع التي تساهم في تلويث نهر الليطاني