أوراق الملايين لن تعيد الثقة بالليرة -- Oct 07 , 2025 11
"رزق الله" على إيام كانت فيها الليرة تحكي وكانت الـ 100 ألف تعادل نحو 67 دولارًا أميركيًا. اليوم، ونحن على عتبة طرح فئات جديدة بالليرة، أصبحنا في زمن اللعب بالملايين. وتفاديًا لحمل الملايين من الليرات بالأكياس، لزوم الإنفاق اليومي، سيتمّ طرح ورقة 5 ملايين ليرة بقيمة تعادل نحو 56 دولارًا أميركيًا وفق سعر صرف 89,500 ليرة. متى ستطرح العملة المذكورة المنتظرة وإلى جانبها عملة الـ 500 ألف ليرة والمليون ليرة؟ وما هي تداعياتها السلبية والإيجابية على النقد بالتداول وسعر الصرف؟
في نيسان الماضي، أقرّ مجلس النواب قانونًا يُتيح لمصرف لبنان طباعة أوراق نقدية من فئتي الـ 500 ألف والمليون ليرة وأغفل ذكر فئة الـ 5 ملايين ليرة. فردّ رئيس الجمهورية هذا القانون بسبب وجود تعارض بين الأسباب الموجبة وبين المواد الواردة فيه.
الأمر الذي استدعى من مجلس النواب إضافة تلك الفئة إلى العملات التي ستطبع، فتمّ إقرارها من دون ختم الجلسة التشريعية الأخيرة بسبب الخلافات حول قانون الانتخابات لجهة إشراك المغتربين بالتصويت. وبذلك، سيبقى التعديل معلّقًا كما علمت "نداء الوطن" إلى حين التئام مجلس النواب مجدّدًا.
وإذا لم يقفل محضر الجلسة التشريعية الأخيرة، فلن يصدر ذلك القانون في الجريدة الرسمية، ولن تصبح قرارات طرح أوراق الـ 5 ملايين والمليون والـ 500 ألف ليرة، نافذة.
ذلك التدبير لم يمنع مصرف لبنان من تحضير شكل تلك العملة وقد يكون شرع بطباعتها كما يقول البعض، ولكن لا يمكن طرحها في السوق من دون صدور القرار في الجريدة الرسمية.
إذًا، وصول الأوراق النقدية الكبيرة إلى أيادي اللبنانيين لن يحصل إلى حين فضّ الإشكال. طبعًا مصرف لبنان سيدخل عملة الـ 5 ملايين والمليون والـ 500 ألف ليرة في السوق اللبنانية من دون أن تترك أي أثر على العملة الوطنية مثل ارتفاع سعر صرف الدولار أو زيادة الكتلة النقدية في التداول والتي تبلغ حاليًا نحو 80 ألف مليار ليرة والتسبّب في التضخم.
ستنضمّ تلك الأوراق النقدية إلى قافلة الأوراق التي سبق أن طبعها مصرف لبنان والبالغة في السوق 157,600 مليار ليرة، 95 % من العملة المطبوعة من فئة الـ 100 ألف ليرة و 4,5 % منها من فئة الـ 50 ألف ليرة والمتبقي الـ 20 ألفًا والـ 10 آلاف والـ 5000 يشكّل 1,5 %. وبذلك، فإن سائر العملات الصغيرة مثل الـ 5000 ليرة و 10 آلاف ليرة و 20 ألف ليرة يقتضي توديعها لأنها قد تصبح خارج التداول.
خطوة ضخّ العملات النقدية الضخمة في التداول، ستكون لها إيجابيات وسلبيات. بالنسبة إلى السلبيات فهي بشكل عام:
- اعتراف رسمي بالتضخّم: إصدار أوراق أكبر يعني إقرارًا ضمنيًا بأن قيمة الليرة تدهورت، ما قد يضرب الثقة بالعملة أكثر.
- تأثير ذلك على سوق النقد خصوصًا مع استفحال اقتصاد الكاش وإمكانية ارتفاع سعر صرف الدولار إذا لم يتدارك مصرف لبنان هذا الموضوع خصوصًَا أن الكتلة المتداولة كبيرة إلى حدّ ما وتبلغ نحو 80 تريليون ليرة.
- مخاطر التزوير: الأوراق الكبيرة مغرية أكثر للتزوير، خصوصًا في ظلّ ضعف الرقابة النقدية.
ومقابل تلك السلبيات هناك إيجابيات:
- تسهيل التداول النقدي بالعملة الوطنية: تخفض الحاجة إلى حمل رزم كبيرة من الأوراق الصغيرة لعمليات الدفع اليومية. فمقابل ورقة الـ 10 دولارات تحتاج إلى تسع أوراق 100 ألف ليرة أي حمولة بـ 9 غرامات.
- خفض كلفة الطباعة والتوزيع: إصدار أوراق أكبر، يعني أن مصرف لبنان ينفق أقل على طباعة كميات ضخمة من الأوراق الصغيرة.
- تخفيف الضغط على المصارف وماكينات السحب: الماكينات ستحتاج إلى تعبئة أقل، خصوصًا أن المبالغ الكبيرة يمكن سحبها بعدد أوراق محدود.
- إراحة للمستهلك والتاجر: في عمليات الدفع الكبيرة (شراء أدوات كهربائية، دفع أقساط مدارس أو طبابة نقدًا) يصبح الدفع أكثر سهولة.
أسهل في ظلّ الدولرة
يقول وزير الاقتصاد السابق رائد خوري لـ"نداء الوطن" إن "اعتماد أوراق جديدة للنقد في التداول بحجم أكبر، من شأنه، أوّلًا أن يساعد على استخدام الليرة في عمليات الدفع من قبل المواطنين في ظلّ الدولرة التي اعتمدت في كلّ القطاعات منذ العام 2023. وقتها تمّ اعتماد الدولرة في بعض المؤسسات الرسمية كتسعير فواتير الاتصالات بالدولار وأسعار المحروقات بالدولار واحتساب الرسوم الجمركية والضرائب والمعاملات العقارية التي باتت تحتسب بالدولار أو ما يعرف بالـ "فريش دولار"، وبذلك استخدمت الدولرة فعليًا de facto بالتعاملات بشكل شبه شامل أي بنسبة تتراوح بين 90 و 95 %، بحكم الأمر الواقع بعد أزمة 2019 وليس قانونيًا legal dollarization.
ثانيًا، سيزيد الطلب على تلك العملة طالما أن حفنة من الليرات باتت تستخدم بورقة واحدة مثل المليون ليرة (11 دولارًا ) والـ 500 ألف ليرة (نحو 6 دولارات) والـ 5 ملايين (56 دولارًا).
ثالثًا، رواتب القطاع العام عاجلًا أم آجلًا ستزيد ويجب تحضير السوق إلى تلك الخطوة ولو كانت ستتمّ في مرحلة لاحقة.
في الخلاصة يقول خوري: "سيتمّ التداول أكثر بالعملة الوطنية وسيزيد الطلب عليها بشكل محدود، لكن ذلك لن يزيد الثقة بالليرة اللبنانية لتعود عملة ادّخار لكن ستبقى عملة للتداول".
وحول تأثير الأمر على الفائدة المتداولة بين المصارف التي كانت تصل أحيانًا إلى 30 و 40 وحتى 50 % عندما يحصل جفاف في العملة الوطنية في السوق نتيجة "لمّ" مصرف لبنان الليرات من السوق، فإن طرح عملات كبيرة لن يؤثّر على تلك الفائدة التي تبلغ حاليًا نحو 10 % لأن التعامل بين المصارف بالليرة ليس ورقيًا وإنما رقمي".
الطباعة أقلّ كلفة
ومعلوم أن طباعة الليرة اللبنانية لا تحصل داخل لبنان بل تتم في الخارج لدى شركات متخصصة في دول مثل ألمانيا ومالطا، أما الكلفة فباتت أكثر من قيمة العملة نفسها خصوصًا مع انهيار قيمة العملة الوطنية. كانت على سبيل المثال كلفة ألف ورقة من فئة 5,000 ليرة تكلّف نحو 60 دولارًا سنة 2021 أي ما يفوق قيمتها الإسمية. أما اليوم فيسعى مصرف لبنان إلى الحدّ من التعامل بالفئات الصغيرة مثل الألف ليرة والخمسة آلاف والمضيّ في طباعة الفئات الكبيرة التي قد لا تحقق خسارة بقيمتها الإسمية.
نداء الوطن - باتريسيا جلاد