الطاقة تتقدّم بالتنقيب في البلوك 8…

الطاقة تتقدّم بالتنقيب في البلوك 8… -- Oct 24 , 2025 11

بينما تستعدّ وزارة الطاقة لمرحلة فعلية من الاستكشاف والحفر في البلوك البحري رقم 8، خرجت أصوات تتحدّث عن "ضغوط أجنبية"، لتدافع بشراسة عن عقد تجاريّ أبرمته الدولة مع شركة TGS قبل سنوات.

مجموعة من التساؤلات يجيب عليها مصدر مطلع على الملف ويمكن إيجازها كما يلي:

أوّلًا: لماذا لم يُمسح البلوك ٨ في السنوات السابقة؟

إذا كان المسح ثلاثي الأبعاد في البلوك 8 بهذه الأهمية الوطنية، فلماذا تُرك دون عملٍ طوال أكثر من عقد؟

منذ عام 2013، أُنجزت المسوحات في معظم البلوكات البحرية اللبنانيّة، باستثناء هذا البلوك الذي ظلّ مهملًا بلا مبرّر مقنع.

أين كان "الحرص على الداتا الوطنية" حينها؟

ولماذا لم يتحرّك أحد لاستكماله إلّا عندما تغيّر الوزير وتبدّل أسلوب العمل؟

ثانيًا: من هي شركة TGS أصلًا؟

الشركة التي يُقدَّم اسمها اليوم كمنقذ وطنيّ ليست لبنانية ولا مؤسّسة بحثية عامة، بل شركة نرويجية تجارية تعمل وفق نموذج الـ Multi-Client، أي أنها تموّل المسح وتحتفظ بملكية البيانات لتبيعها لاحقًا لأي طرف.

تقول الشركة إنها "تدعم الاستكشاف في لبنان منذ عام 2006"، وتمتلك أكثر من 22,000 كيلومتر من بيانات المسح الثنائي (2D) و 5,300 كيلومتر مربع من بيانات المسح الثلاثي (3D).

لكن هذه البيانات ليست ملكًا للدولة اللبنانية، بل جزءًا من "مكتبة تجارية" تدرّ أرباحًا للشركة عند بيعها للمستثمرين.

أي أن الهدف لم يكن تزويد الدولة بالمعرفة الجيولوجية، بل تسويق البيانات وجني الأرباح منها.

ثالثًا: من وقع العقد وكيف؟

العقد مع TGS لم يبرمه الوزير الحالي، بل هو من نتاج العهود السابقة التي وقعته ومرّرته بهدوء عبر هيئة إدارة قطاع البترول، دون أي مناقصة شفافة أو إعلان واضح للمعايير.

لم يُطرح يومها سؤال بسيط: كيف تُمنح شركة أجنبية حق مسح بيانات الدولة ثمّ بيعها؟

ولا أحد سأل: ما نسبة الإفادة الفعليّة للدولة؟

هذا الصمت الإداريّ، الذي استمرّ سنوات، هو الذي سمح للشركة بالتمدّد في السوق اللبنانية، فيما كانت الدولة بالكاد تحصل على نسخة من بياناتها الخاصة.

رابعًا: بين المسح التجاريّ والوعد العمليّ

الذين يهاجمون الوزارة اليوم يتجاهلون الفرق بين المسح التجاري الذي كانت تقوم به TGS والعمل الفعليّ الذي تنفذه اليوم شركة TotalEnergies.

‏TGS تجمع البيانات لتسويقها وبيعها، من دون أي التزام بالحفر أو الاستثمار.

أما توتال، فهي شريك في الكونسورتيوم العامل في البلوكات 4 و 9 و 8، وتقوم بأعمال المسح والحفر الاستكشافيّ الميدانيّ، وفق عقد استكشاف وإنتاج (EPA) يرتبط مباشرة بالنتائج العمليّة على الأرض.

المقارنة غير منصفة بين شركتَي Total وTGS، إذ يعتبر البعض أن Total تحتاج إلى ثلاث سنوات لإنجاز عملها، في حين أن TGS قادرة على تقديم نتائج المسح خلال ثمانية أشهر فقط. لكن ما يغيب عن هذه المقارنة هو أن Total لا تكتفي بمرحلة المسح، بل تمتد أعمالها لتشمل مرحلة الاستكشاف والتحليل والترويج للتنقيب أيضًا، وهي عملية تتطلّب بطبيعتها وقتًا أطول ولا قدرات لشركات مثل TGS للقيام بها.

أما TGS، فعملها يقتصر على إجراء المسح وتحليل بياناته، لتقوم لاحقًا ببيع النتائج إلى شركات أخرى مختصة بتحليل المعلومات والترويج، بينما تمتلك Total القدرة على تنفيذ كامل الدورة من المسح إلى الاستكشاف ضمن الإطار الزمني المحدّد بثلاث سنوات.

الفرق واضح:

‏ • TGS: تسوّق الخرائط وتبيع المعلومات.

• توتال: تحفر وتستثمر فعليًا.

خامسًا: هيئة إدارة قطاع البترول… الغائب الحاضر

في كلّ هذه المعركة الإعلامية، التزمت هيئة إدارة قطاع البترول صمتًا مريبًا، رغم أنها الجهة الفنية الأولى المفترض أن توضح للرأي العام الأساس القانونيّ للعقود السابقة.

هل كانت الهيئة على علم بتفاصيل عقد TGS؟

هل درست الجدوى الوطنية قبل الموافقة؟

ولماذا تسرّبت فجأة معلومات دقيقة عن الشركة والعقد من داخل الهيئة نفسها؟

أسئلة لا تحتاج إلى إجابة بقدر ما تكشف من كان يدير المشهد سابقًا بصمتٍ محسوبٍ، ومن كان المستفيد من استمرار نموذج "المسح التجاري" على حساب التنقيب الفعلي.

سادسًا: أين المنطق في الخطاب "الوطني" المفاجئ؟

الحديث عن "ضغوط فرنسية" و "إلغاء عقد وطني" يتجاهل أن العقد لم يكن حصريًا، وأن إنهاءه لا يمنع المسح بل يعيد القرار إلى الدولة لتربطه بالاستثمار الفعلي لا بالصفقات الورقية.

هي مفارقة لبنانية بامتياز: الوزارة تعمل على فتح البحر أمام الحفر، فيما البعض يحن إلى زمن بيع الخرائط على الورق.

فهل المشكلة فعلًا في توقف المسح، أم في توقف الفاتورة؟

قبل أن نندب "الفرصة الضائعة"، لنسأل من ضيّع السنوات الماضية؟

من ترك البلوك 8 بلا مسح طوال عقدٍ كامل؟

من فاوض باسم لبنان ومن وقع العقود التجارية مع الشركات الأجنبية؟

ومن استفاد من بيع البيانات في البلوكات السابقة بينما بقيت الدولة خارج اللعبة؟

الجواب لا يحتاج إلى لجنة تحقيق، بل إلى ذاكرة لم تُمسح بعد.

نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

إنخفاض بأسعار المحروقات...

أقرأ أيضاَ

سقوط اقتراح الإعفاء من الغرامات