"المركزي" يفتح "الصندوق الأسود": 11 مليار دولار هل يُكشف مصيرها؟

"المركزي" يفتح "الصندوق الأسود": 11 مليار دولار هل يُكشف مصيرها؟ -- Nov 05 , 2025 15

ليس تفصيلًا أن يقرّر مصرف لبنان إطلاق مسار التدقيق الجنائي ببرنامج الدعم بين الأعوام 2019–2023. هذا القرار المنسّق مع وزارة المالية - بحسب بيان المركزي الذي صدر أمس - هو محاولة لوضع اليد أو استعادة "صندوق الأزمة السوداء"، الذي بقي لأعوام مغلقًا خلف عناوين فضفاضة وشبهات متناسلة.

ينتقل ملف الدعم اليوم، بجهود "المركزي" ووزارة المالية، من لغة التكهّن والتسريبات، إلى مسار مؤسّسي واضح ومعلن، وشروط واضحة، ضمن مناقصة تحت سقف قانون الشراء العام، وعبر شركة تدقيق متخصّصة، تُحاسَب على نطاق عملها ومنهجيّتها ومدّة عملها. قد تكون تلك بداية متأخرة لكنها حتمًا بداية مختلفة عن كلّ ما سبق في السنوات الست الفائتة من عمر الأزمة.

بحسب المعلومات، يصل حجم ملف الدعم، إلى نحو 11 مليار دولار، تراكمت بواسطة عمليات استيراد لسلع متنوّعة، بلغ عددها قرابة 10500 عملية، مع العلم أن هذه الملفات سبق أن أرسلت في السنوات السابقة بحسب معلومات "نداء الوطن"، لـ 3 جهات رسمية من أجل التدقيق فيها بواسطة "فلاش درايف" (USB). أما تلك الجهات فكانت: الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وزير المالية ووزارة العدل.

وعليه، قد يسأل البعض: ماذا يعني هذا الإجراء اليوم؟ وما الفائدة منه؟ هل سيساهم في استعادة الودائع وما هو وقعه على سمعة لبنان الخارجية؟ الإجابات في المحاور الواردة أدناه:

1. ماذا يغيّر القرار في قواعد اللعبة؟

يضع القرار النقاش على سكّة ملموسة. وبدل الكلام الإنشائي على "التدقيق"، أصبح الملف في مواجهة دفتر شروط يُفترض أن يحدّد نطاق العمل للتدقيق في برنامج الدعم بكل حلقاته (محروقات، قمح، أدوية وغيرها)، المدفوعات المسدّدة نيابة عن الدولة، والتحويلات التي أجريت إلى الخارج في ذروة الانهيار. هذا التحديد ربما يبدّل طبيعة الأسئلة: من "هل حصلت مخالفات؟" إلى "من استفاد، كيف، وبأيّ أرقام وأيّ ربح؟". المناقصة العلنية تُسقط سردية "التلزيم على القياس" التي اتُهم فيها مصرف لبنان إبّان تكليف شركة K2 لمساعدة لبنان على الخروج من اللائحة الرمادية وتعيد الأمور إلى نصابها القانوني، لتخلق من خلال ذلك معيارًا تنافسيًا يُمكّن الدولة من اختبار خبرات شركات عملت مع مصارف مركزية وحكومات. والأهم من هذا كلّه أن المساءلة تصبح قابلة للقياس: جداول، عينات، تتبّع فواتير، أسعار وكميات، بدل اتهامات تتبخر عند أول سؤال أو استجواب.

2. ما هو الأثر المتوقع على استرداد الودائع؟

قد يكون التأثير غير مباشر، لكنه يدخل في صلب عملية إعادة تعزيز قيمة احتياطيات مصرف لبنان. القرار منفردًا لن يُعيد الأموال إلى حسابات المودعين غدًا صباحًا، لكنه سيجيب عن كيفية هدر الحكومات السابقة جزءًا منها تحت هذا المسمى "الدعم". حتمًا التدقيق لن يضخ السيولة ولن يوزع الخسائر بل لن يعيد رسملة المصارف. لكنه سيشرح كيف خرجت هذه الأموال من خزائن مصرف لبنان ولصالح من... ليجري البحث في آلية استردادها، خصوصًا في حال وجد التدقيق مدفوعات غير مشروعة أو مبالغ مضخمة أو استفادة غير مستحقة. هذا المسار يخفض حال عدم اليقين الذي يشلّ المفاوضات مع الشركاء الدوليين والمستثمرين، ويخلق رافعة لخطّة توزيع خسائر عادلة. بعبارة مباشرة، فإن هذا القرار في ما لو طُبق بالشكل السليم سوف يقرّبنا خطوة إضافية من مناخٍ يسمح بإعادة الودائع، وسيحتاج تزامنًا إلى مرافقته بتشريعات وقرارات حاسمة في إعادة الهيكلة وتحديد الفجوة وتوزيعها بوضوح وشفافية.

3. ما تأثيره على سمعة لبنان الخارجية؟

لا شك أن القرار هو مكسب مشروط بالتنفيذ الكلّي، لكنه في المقابل مدخل لبناء سمعة جديدة للبنان يبدأ من إظهار الجدية في التعاقد والشفافية في الشراء العام، عبر مناقصة مفتوحة، معايير تأهيل معلنة، ونطاق عمل واضح بجداول زمنية قابلة للمتابعة. وهذه تفاصيل تترك انطباعات حميدة لدى أصدقاء لبنان والدائنين، وكذلك المؤسسات الدولية... أكثر مفعولًا ممّا تصنعه التصريحات. سمعة البلد تكسب حين يرى الشركاء أن الشركة المختارة تملك حق الوصول الكامل إلى البيانات والملفات، وأن النتائج ستُختَصر في ملخص عام يتيح للرأي العام الاطلاع على خلاصة الوقائع، وسوف تكتسب ثقة كبرى عندما يُترجم تقرير الجهة المدققة بإحالات إلى القضاء وربما توقيفات حيث يلزم.

4. هل من علاقة بين التدقيق بالدعم وخطة التعافي؟

التدقيق ليس ملفًا موازيًا لخطة التعافي، بل هو جزءٌ منها، إذ لا يمكن بناء توزيع خسائر عادل من دون معرفة أين هُدرت الأموال وكيف؟ كما لا يمكن التقدّم في إعادة رسملة القطاع المصرفي أو جذب رؤوس الأموال من الخارج من دون تحسين "بيئة الحوكمة" وتقليص "المخاطر القانونية".

لكن في المقابل من غير المعقول استخدام هذا التدقيق كذريعة من أجل تأجيل قوانين هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية. العلاقة الصحيحة بين تلك القوانين والتدقيق هي "التوازي المتناغم". أي تدقيق يمضي بجداول زمنية محدّدة بالتوازي مع القوانين الإصلاحية.

في المحصّلة، هذا القرار ليس عصًا سحرية لعملية استرداد ما أنفق من احتياطيات مصرف لبنان أو من الودائع. هو ليس صكّ براءة مسبقًا أو إدانة لأيّ جهة. بل هو اختبار لنضج مؤسّسات الدولة وقدرتها على إدارة ملف تقني حسّاس من هذا النوع، وبمنهجية شفافة ونتائج قابلة للقياس. وإذا وُضعت الشروط الصحيحة، والتزمت الجهات المعنية بالوصول إلى البيانات وبجداول زمنية دقيقة، وإذا تُرجمت النتائج إلى ملاحقات واسترداد حيث يلزم، فسنكون أمام انعطافة حقيقية ترفع منسوب الثقة بالمصرف المركزي، وكذلك بالمصارف، وتخلق بيئة تفاوضية أكثر صلابة لاستعادة الودائع ضمن خطة تعافٍ متكاملة.

أما إذا بقي القرار عنوانًا جميلًا من دون تنفيذ، فسيتحوّل إلى دليل إضافي على أننا نجيد ترجمة الأزمات إلى "شعارات".

عماد الشدياق- نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

بنك بيروت وجامعة الروح القدس الكسليك يطلقان مبادرة طلابيّة رياديّة

أقرأ أيضاَ

مذكرة للجنة الرقابة على المصارف.. إجراءات متعلقة بحسابات الودائع